للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَامِعُ الْفِدْيَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ يُقَصِّرَ شَعْرَهُ أَوْ يَمَسَّ طِيبًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِيَسَارَةِ مُؤْنَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُرَخِّصُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ) .

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْفِدْيَةِ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ النُّسُكِ أَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ وَمَا النُّسُكُ وَكَمْ الطَّعَامُ وَبِأَيِّ مُدٍّ هُوَ وَكَمْ الصِّيَامُ وَهَلْ يُؤَخِّرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَمْ يَفْعَلُهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَا أَوْ كَذَا فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَعَلَ قَالَ: وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ وَمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

ــ

[المنتقى]

لِأَنَّهُ الَّذِي لِصَاحِبِهِ أَنْ يَذْبَحَهُ حَيْثُ شَاءَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْهَدْيِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] وَاسْمُ النُّسُكِ يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى فِدْيَةِ الْأَذَى وَعَلَى الْهَدْيِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَقَعُ عَلَى جُمْلَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إرَاقَةُ الدَّمِ عَلَى وَجْهِ الْفِدْيَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ النُّسُكِ اسْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِ وَإِنْ كَانَ اسْمُ النُّسُكِ يَعُمُّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَمَا يُهْدِي اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ الْهَدْيُ وَلِمَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْفِدْيَةِ اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ وَلِسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهَا مِنْ رَمْيِ جِمَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنُّسُكِ هَاهُنَا دَمَ الْفِدْيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَيْثُ شَاءَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَرَادَ بِهِ تَرْكَ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ تَرْكَ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْفِدْيَةُ وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ فَأَخَلَّ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ إحْرَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[جَامِعُ الْفِدْيَةِ]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَفْتَدِي وَاسْتَسْهَلَ الْفِدْيَةَ لِقِلَّتِهَا أَوْ لِكَثْرَةِ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ آثِمٌ حَرِجٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِ الضَّرُورَةِ وَالْأَذَى الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] فَاشْتَرَطَ فِي اسْتِبَاحَةِ ذَلِكَ الضَّرُورَةَ وَالْأَذَى وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا أُرَخِّصُ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. وَقَدْ رَأَى كَثْرَةَ مَا بِهِ مِنْ الْقَمْلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَأَذَّى بِهِ فَسَأَلَهُ أَيُؤْذِيك هَوَامُّك؟ فَلَمَّا قَالَ: نَعَمْ قَالَ لَهُ: احْلِقْ رَأْسَك وَأَمَرَهُ بِالْفِدْيَةِ» فَعَلَّقَ إبَاحَةَ ذَلِكَ بِالتَّأَذِّي بِالْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ عِلَّةَ الْإِبَاحَةِ مِنْ الْحَظْرِ وَالْأَذَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَلْقُ وَاللِّبَاسُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ الْمَعَانِي الْمَحْظُورَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ بِالْحَظْرِ وَالْإِثْمِ عَنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ بِيَمِينِ الْغَمُوسِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَذَلِكَ قَاتِلُ الْعَمْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْفِدْيَةَ لِيَظْهَرَ تَغْلِيظُ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ بِشَرْطِ الضَّرُورَةِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْفِدْيَةَ فَكَيْفَ بِمَنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.

(ش) : قَوْلُهُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ فِدْيَةِ الْأَذَى أَصَاحِبُهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَالدَّمِ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَا أَوْ كَذَا فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>