للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يَجُوزُ مِنْ الذَّكَاةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً لَهُ بِأُحُدٍ فَأَصَابَهَا الْمَوْتُ فَذَكَّاهَا بِشَظَاظٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ فَكُلُوهَا» )

ــ

[المنتقى]

[مَا يَجُوزُ مِنْ الذَّكَاةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ] [وَفِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ الْمُذَكِّي]

(ش) : قَوْلُهُ فَأَصَابَ الْمَوْتُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَصَابَهَا مِنْ الْمَرَضِ مَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَوْتَ مُتَّصِلٌ بِهِ فَذَكَّاهَا بِشَظَاظٍ وَهِيَ فِلْقَةُ عُودٍ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مُحَدَّدًا عَلَى صِفَةِ سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ السِّكِّينِ الَّذِي يُمْكِنُ الطَّعْنُ بِمِثْلِهِ فَيَفْرِي بِحِدَّتِهِ وَفِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا فِي صِفَةِ الْمُذَكِّي وَالثَّانِي فِي صِفَةِ مَا يُذَكَّى بِهِ وَالثَّالِثُ فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ.

(فَأَمَّا الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي صِفَةِ الْمُذَكِّي فَسَيَرِدُ بَعْدَ هَذَا مُسْتَوْعَبًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَا يُذَكَّى بِهِ) أَمَّا مَا يُذَكَّى بِهِ فَإِنَّهُ كُلُّ مُحَدَّدٍ يُمْكِنُ بِهِ إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ بِالطَّعْنِ فِي لَبَّةِ مَا يُنْحَرُ وَالْفَرْيُ فِي أَوْدَاجِ مَا يُذْبَحُ مِمَّا لَا يَخْتَصُّ بِطَائِفَةٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي قَتْلِ الْحَيَوَانِ بِهِ لِأَكْلٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذَّكَاةَ بِالْحِجَارَةِ وَالشَّظَاظِ وَقَالَ: يُرِيدُ الْمَرْوَةَ وَشُقَّةَ الْعَصَا وَالْقَصَبَ وَكُلَّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِمَّا يُذَكَّى بِهِ الضِّرَارُ جَمْعُ ضَرَرٍ وَهِيَ فِلْقَةُ الْحَجَرِ وَاللِّيطَةُ وَهِيَ فِلْقَةُ الْقَصَبِ وَالشَّطِيرُ فِلْقَةُ الْعَصَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنْ فَخَّارٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ قَرْنٍ أَوْ شَيْءٍ يَفْرِي فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَ بِفِلْقَةِ الْعَظْمِ ذَكِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَكِيٍّ إذَا بَضَعَ اللَّحْمَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ فَحَصَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَبَيْنَ مَا أَوْرَدْنَاهُ بَعْدَ هَذَا فِي الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ وَالظُّفْرِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الذَّكَاةُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَرَأَيْت لِبَعْضِ شُيُوخِنَا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمُبَاحٌ بِالْعَظْمِ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ السِّنَّ إذَا كَانَ عَرِيضًا مُحَدَّدًا وَالظُّفْرَ كَذَلِكَ حَتَّى يُمْكِنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِهِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ تَصِحُّ الذَّكَاةُ بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِظَامِ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِذَلِكَ مِثْلُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ لَمْ تَصِحَّ الذَّكَاةُ بِهِمَا وَإِنْ كَانَا مُنْفَصِلَيْنِ صَحَّتْ الذَّكَاةُ بِهِمَا وَالرِّوَايَةُ الَّتِي نَسَبَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ السِّنُّ وَالظُّفْرُ مَنْزُوعَيْنِ وَعَظُمَا حَتَّى يُمْكِنَ الذَّبْحُ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

فَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَسَأُخْبِرُك عَنْهُ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الذَّابِحِ وَاعْتِبَارِ صِفَةِ الْآلَةِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ صِفَةِ الذَّابِحِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الذَّبْحِ فَكَذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ صِفَةِ الْآلَةِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى وَرَدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِ صِفَتِهِ فِي الذَّبْحِ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ أَصْلُهُ الذَّابِحُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] وَالذَّكَاةُ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَبَحَ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْكَلَ ذَبِيحَتُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ إنَّ هَذَا مَعْنًى يَفْرِي الْأَوْدَاجَ فَجَازَ الذَّبْحُ بِهِ كَالْحَدِيدِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِجَوَابَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الظُّفْرِ وَالسِّنِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>