للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَا يُذَكَّى بِهِ]

ــ

[المنتقى]

الْبَعِيرُ إذَا ذُبِحَ وَلَا تُؤْكَلُ الشَّاةُ إذَا نُحِرَتْ قَالَ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَعِيرَ لَهُ مَوْضِعُ ذَبْحٍ وَمَوْضِعُ نَحْرٍ وَإِنَّمَا عُدِلَ إلَى النَّحْرِ لَمَّا كَانَ أَقَلَّ لِتَعْذِيبِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ لَبَّتِهَا يَقْرَبُ مِنْ خَاصِرَتِهَا فَيَكُونُ كَالطَّاعِنِ لَهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ نَقَلَ الذَّكَاةَ إلَى غَيْرِ مَحِلِّ الذَّكَاةِ بِوَجْهٍ مِثْلُ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْعُنُقِ وَالْقَفَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ ذَبَحَ فِي الْقَفَا أَوْ فِي الصَّفْحَةِ الْوَاحِدَةِ لَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ ذَبَحَ فِي الْقَفَا وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ فِي الْقَفَا وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْحُلْقُومِ فَأَخْطَأَ فَانْحَرَفَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ فِي الْقَفَا أَنَّ الذَّكَاةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يُنْفَذُ مِنْ مَقَاتِلِهَا قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِ الذَّبِيحَةِ وَمَنْ ذَبَحَ فِي الْقَفَا فَقَدْ بَدَأَ بِقَطْعِ الْعُنُقِ وَفِيهِ النُّخَاعُ وَهُوَ مِنْ الْمَقَاتِلِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِ الذَّبِيحَةِ دُونَ فَرْيِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَشْهَبَ فِي أَنَّ مَنْ أَخْطَأَ فَانْحَرَفَ فَإِنَّ ذَبِيحَتَهُ تُؤْكَلُ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ اسْتَوْعَبَ قَطْعَ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ قَبْلَ قَطْعِ النُّخَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُبِيحٌ لِلذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِشُرُوطِ الذَّكَاةِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا زَادَ مِنْ شَقِّ الْجِلْدِ بِانْحِرَافِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَوْعِبْ ذَلِكَ جُمْلَةً أَوْ اسْتَوْعَبَهُ بَعْدَ قَطْعِ النُّخَاعِ بِقَطْعِ الْعُنُقِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ عِنْدِي لَا تَصِحُّ وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ ذَبَحَ فِي الصَّفْحَةِ الْوَاحِدَةِ لَمْ تُؤْكَلْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا حَالَ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرُورَةٌ تَمْنَعُ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ كَالْبَعِيرِ يَشْرُدُ فَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ إلَّا بِرَمْيِهِ أَوْ طَعْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا قُتِلَ بِذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: إنَّ هَذِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا تُؤْكَلُ إلَّا بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ إذْ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي التَّوَحُّشِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ وَأَمَّا الْبَقَرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: عِنْدِي أَنَّ لَهَا أَصْلًا مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ فَإِذَا اسْتَوْحَشَتْ حَلَّتْ عِنْدِي بِالصَّيْدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بَقَرَ الْوَحْشِ لَيْسَتْ بِأَصْلِ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ وَلَا تُشْبِهُهَا فِي خَلْقٍ وَلَا صُورَةٍ وَإِنَّمَا يَتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ كَمَا أَنَّ حُمُرَ الْوَحْشِ لَيْسَتْ بِأَصْلٍ لِلْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَلَا الْمَاعِزَ الْبَرِّيَّ أَصْلًا لِلْغَنَمِ الْإِنْسِيَّةِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُحَرَّمِ، وَمَا أَصْلُهُ التَّوَحُّشُ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْأَرَانِبِ وَالْأَيَايِيلِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ تَتَأَنَّسُ ثُمَّ تَسْتَوْحِشُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِالصَّيْدِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْهَوَامِّ وَالْيَعَاقِيبِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَذَلِكَ حَمَامُ الْبُيُوتِ وَالْبِرَكِ وَالْإِوَزُّ الْإِنْسِيَّةُ إذَا اسْتَوْحَشَتْ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُذْبَحَ الْحَمَامُ الرُّومِيُّ الْمُتَّخَذُ لِلْفِرَاخِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُذْبَحَ الْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ: قَالَ: وَلَيْسَ أَصْلُ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ مِمَّا يَطِيرُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْإِوَزِّ لَهُ أَصْلٌ وَحْشِيٌّ كَالْحَمَامِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي بَلَدِهِ أَصْلٌ مُسْتَوْحِشٌ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ أَصْلُهُ التَّأْنِيسَ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَخْذَهُ إلَّا بِالْعَقْرِ فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَخْذَهَا إلَّا بِالْعَقْرِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْعَقْرُ مِنْهَا الْمَقَاتِلَ مِثْلُ الْعَرْقَبَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهِيَ مَأْمُونَةٌ ثُمَّ تُذْبَحُ قَالَ: فَهَذَا الَّذِي أَخَذَ بِهِ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَطْلُبُ الْبَقَرَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا بِأَنْ يُعَرْقِبَهَا ثُمَّ يَذْبَحَهَا فَقَالَ: لَا آكُلُهَا وَلَا أُحَرِّمُهَا وَفِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ بَيْنَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْعَقْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْمُحَاوَلَةِ لِذَلِكَ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَالْغَازِي فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ رُبَّمَا سَارَعَ إلَى ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ قَبْلَ الْمُحَاوَلَةِ لَهُ وَقَدْ يَبْلُغُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ غَالِبًا كَقَطْعِ الْفَخِذِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الصَّيْدِ يُرْمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ ثُمَّ يُذْبَحُ فَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَأْكُلُهُ لَعَلَّ السَّهْمَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَأَخَافُ عَلَى مَنْ أَكَلَهُ فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>