للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ إذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ) .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ــ

[المنتقى]

[ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا نُحِرَتْ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَاتُهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَمَّ خَلْقُ الْجَنِينِ وَنَبَتَ شَعْرُهُ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ وَحِينَئِذٍ هُوَ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُؤْكَلَ بِالذَّكَاةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْكَلُ وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ لَيْسَتْ بِصِحَاحٍ وَلَا تَثْبُتُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ فِي الْأُمِّ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْجَنِينِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا بَعْدَ حَيَاةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْإِشْعَارَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَلَيْسَ بِحَيٍّ بَعْدُ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِذَكَاةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ كُلَّ مَا لَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ إلَّا بِالذَّكَاةِ فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْحَيَاةِ أَصْلُهُ الْأُمَّهَاتُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْأُمِّ بَعْدَ ذَكَاتِهَا أَوْ فِي حَالِ حَيَاتِهَا فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَكَاتِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا تُرْجَى لَهُ الْحَيَاةُ لَوْ تَرَكَ أَوْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَوْ يَيْأَسُ مِنْهُ فَإِنْ وُجِدَتْ لَهُ حَيَاةٌ بَاقِيَةٌ فَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ مَالِكٍ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ تَخُصُّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ فِي حَيَاتِهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْمَوْلُودِ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ تَخُصُّهُ فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ إمَّا لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ أَوْ لِأَنَّ حَيَاتَهُ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ فَإِنْ لَمْ يُذْبَحْ وَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ أُكِلَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة وَالْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّة: أَحَبُّ إلَيَّ فِي الَّتِي ذُكِّيَتْ أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا اسْتَخْرَجَ مِنْ بَطْنِهَا حَيًّا إلَّا بِذَكَاةٍ وَنَحْوِهِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا قَدْ كَمُلَتْ ذَكَاتُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِهَا فَكَانَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلَمَّا كَانَ مِمَّا يَنْفَصِلُ عَنْهَا بِالْوِلَادَةِ وَيَنْفَرِدُ بِالْحَيَاةِ اُسْتُحِبَّ مُبَاشَرَتُهُ بِالذَّكَاةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا خَرَجَ يَتَحَرَّكُ اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ فَإِنْ سَبَقَهُمْ بِنَفَسِهِ فَأَنَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ فَنَحَا بِهِ إلَى الْكَرَاهِيَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ خَرَجَ فِي حَالِ حَيَاةِ أُمِّهِ أَزْلَقَتْهُ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَحْيَا وَيَعِيشُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إذَا ذُكِّيَ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَمُلَ نَبَاتُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَبَاحَ مِنْ الذَّكَاةِ بِمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ غَيْرُهُ الْكَبِيرُ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَعِيشُ أَوْ يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ ذُكِّيَ وَقَالَهُ فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَوْتَهُ بِالْإِزْلَاقِ وَلَيْسَتْ بِذَكَاةٍ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَأَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُذَكَّى لِأَنَّ مَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ لَا تَأْثِيرَ لِلذَّكَاةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ تَمَّ خَلْقُهُ يَعْنِي أَنَّهُ كَمُلَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلْقَةِ وَأَمَّا لَوْ خُلِقَ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَتَمَّ خَلْقُهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ مَا نَقَصَ مِنْهُ مِنْ ذَكَاتِهِ وَإِبَاحَةِ أَكْلِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بِذَلِكَ تَتِمُّ ذَكَاتُهُ فَيَحْتَمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِذَبْحِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِيَصِيرَ لَهُ حَظٌّ مِنْ مُبَاشَرَةِ الذَّكَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ جَوْفِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا يَحْتَقِنُ فِيهِ لِئَلَّا يَمْنَعَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِهِ وَتَقْطِيعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>