للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ: كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك إنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ)

ــ

[المنتقى]

فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَبِتْ عَنْهُ فَإِذَا بَاتَ عَنْهُ كُرِهَ أَكْلُهُ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ اصْطَادَهُ بِجَارِحٍ أَوْ سَهْمٍ فَإِنْ كَانَ بِالْجَارِحِ فَبَاتَ الصَّيْدُ عَنْهُ وَقَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ بَعْدَ أَنْ غَابَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الصَّيْدِ بِالْكَلْبِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَإِنْ بَاتَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ يَطْلُبُهُ أَوْ لَا يَطْلُبُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ صَاحِبُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَاغَلَ عَنْهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَجْهُ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْلِهِ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ لِلْحَيَوَانِ انْتِشَارًا بِاللَّيْلِ فَإِذَا بَاتَ عَنْهُ جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا بِاللَّيْلِ قَتَلَهُ دُونَ كَلْبِهِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا بِالنَّهَارِ إذَا غَابَ عَنْهُ أَكْثَرَ النَّهَارِ إلَّا أَنَّهُ يَنْدُرُ بِالنَّهَارِ وَيَكْثُرُ بِاللَّيْلِ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ مَغِيبَ الصَّيْدِ عَنْ الصَّائِدِ لَا يَمْنَعُ إبَاحَتَهُ أَصْلُهُ مَغِيبُهُ بِالنَّهَارِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ صَادَ بِسَهْمِهِ فَبَاتَ عَنْهُ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ صَادَ بِكَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ بَاتَ عَنْهُ فَوَجَدَ فِيهِ أَثَرَ سَهْمِهِ وَقَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فَلْيَأْكُلْهُ وَأَمَّا أَثَرُ الْبَازِي وَالْكَلْبِ فَلَا يَأْكُلُ وَإِنْ كَانَ مَقْتَلًا.

وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ.

فَوَجْهُهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَإِنْ رَمَيْت الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَثَرُ سَهْمِك فَكُلْ فَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ أَثَرِ السَّهْمِ وَالْجَارِحِ أَنَّ السَّهْمَ يُوجَدُ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ غَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْجَوَارِحُ فَإِنَّ آثَارَهَا كَآثَارِ غَيْرِهَا مِنْ السِّبَاعِ لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهَا فَصَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رِوَايَةُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مَا فَاتَ سَوَاءٌ صِيدَ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُؤْكَلُ مَا بَاتَ سَوَاءٌ صِيدَ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ وَقَوْلُ أَصْبَغَ يُؤْكَلُ مَا بَاتَ مِمَّا صِيدَ بِسَهْمٍ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا صِيدَ بِجَارِحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْجَارِحِ]

(ش) : قَوْلُهُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك يُرِيدُ الْمُعَلَّمَ لِلصَّيْدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] إلَى قَوْلِهِ {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: ٤] وَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا أَرْسَلْت الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْك» وَفِي هَذَا ثَلَاثُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ الْجَارِحِ الَّذِي يَصِحُّ الِاصْطِيَادُ بِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُعَلَّمِ مِنْهُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْإِمْسَاكِ عَلَى الصَّائِدِ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْجَارِحِ) فَأَمَّا صِفَةُ الْجَارِحِ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُصَادَ بِهِ فَهُوَ كُلُّ جَارِحٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفْهَمَ التَّعْلِيمَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَمِنْ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْبَاشِقِ وَالشَّاهِينِ وَالشَّذَانِيقِ وَالْعُقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَحِلُّ إلَّا صَيْدُ الْكَلْبِ وَأَمَّا صَيْدُ سَائِرِ الْجَوَارِحِ مِنْ الطَّيْرِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَحِلُّ صَيْدُهَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَجُوزُ صَيْدُ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى وَمَا {عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>