للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» ) .

ــ

[المنتقى]

الْمُبَاحِ فِيهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَهَا لِنَرْكَبَ مِنْهَا وَنَأْكُلَ فَلَمَّا عَدَلَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ عَنْ ذِكْرِ الْأَكْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهَا لِذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْخَيْلُ عِنْدَ مَالِكٍ مَكْرُوهَةٌ وَلَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ وَلَا مُبَاحَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ مُبَاحَةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْخَيْلُ مُخْتَلَفٌ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِهَا فَلَا يَبْلُغُ بِهَا التَّحْرِيمُ وَالْبَرَاذِينُ مِثْلُهَا فَجَعَلَهَا مُبَاحَةً فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَدَلِيلُنَا عَلَى كَرَاهِيَتِهَا أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ أَهْلِيٌّ ذُو حَافِرٍ فَلَمْ يَكُنْ أَكْلُهُ مُبَاحًا كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَتَعَلَّقَ مَنْ رَأَى إبَاحَةَ ذَلِكَ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَأَرْخَصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْحَمِيرُ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا فَقِيلَ: إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَقِيلَ: مَكْرُوهَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ رِوَايَةَ الْكَرَاهِيَةِ خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّحْرِيمِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مَرْكُوبٌ ذُو حَوَافِرَ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَالْخَيْلِ وَأَمَّا الْبِغَالُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحُمُرِ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَيْلِ فَإِنْ قُلْنَا أَنَّ الْحُمُرَ مَكْرُوهَةٌ فَالْبِغَالُ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْحُمُرَ مُحَرَّمَةٌ فَالْبِغَالُ مُحَرَّمَةٌ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْقَانِعَ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمُعْتَرُّ هُوَ الزَّائِرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ وَيَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِسَ مَنْ وُجِدَ بِهِ الْبُؤْسُ وَالْفَقْرُ مِنْ جُمْلَةِ الْبُؤْسِ وَالْقَانِعُ هُوَ الطَّالِبُ وَالْقَنُوعُ الرَّاضِي بِمَا عِنْدَهُ.

[مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ» يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ أَعْطَاهَا إيَّاهَا حَيَّةً ثُمَّ مَاتَتْ وَكَانَ أَعْطَاهَا إيَّاهَا عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ لِكَوْنِهَا مُحْتَاجَةً لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْمَوْلَاةِ يُفِيدُ أَنَّهَا قَدْ أُعْتِقَتْ وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا عَمَّنْ أَعْتَقَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَفَلَا ذَبَحْتُمُوهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا وَالثَّانِي أَفَلَا سَلَخْتُمُوهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا حَضًّا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْوَالِ وَالتَّمْيِيزِ لَهَا وَمَنْعِهَا مِنْ إفْسَادِهَا قَلِيلِهَا وَيَسِيرِهَا وَمَا فِيهِ مُنْتَفَعٌ مِنْهَا وَالِانْتِفَاعُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا وَصَرْفُ مَا فَضَلَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ إلَى سَبِيلِ اللَّهِ وَمُوَاسَاةِ أَهْلِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ إفْسَادَ الْمَالِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي إطْرَاحِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْعَبَثِ وَالْكِبْرِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا الِانْتِفَاء مَشْرُوطٌ عِنْدَ مَالِكٍ بِتَقْدِيمِ الدِّبَاغِ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ لَا يُفْتَرَشُ وَلَا يُطْحَنُ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ حَتَّى يُدْبَغَ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ تَرْكَ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى يُدْبَغَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: «قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَنْتَفِعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>