للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَا جَمِيعًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا» ) .

ــ

[المنتقى]

«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي نَبِيذِ الْجِرَارِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَعْنَى نَبِيذٌ لَا يُعَجِّلُ الشِّدَّةَ الْمُطْرِبَةَ فَلَمْ يُمْنَعْ الِانْتِبَاذُ كَالْأَسْقِيَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ نَبِيذِ الْجِرَارِ» فَلَعَلَّهُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي طُلِيَ بِالْحَنْتَمِ أَوْ الْمُزَفَّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِيهِ.

وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَنْعَ مِنْهُ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ كَالْمَنْعِ مِنْ الْمُزَفَّتِ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْ إسْرَاعِ الشِّدَّةِ مَا يُحْدِثُهُ الْمُزَفَّتُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إنَّا نَأْتِيك مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَك هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَك إلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبِّ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الرَّاوِي النَّقِيرَ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْفَظُوهَا وَأَخْبِرُوا بِهَا مَنْ وَرَاءَكُمْ» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْحَنْتَمُ الْجَرُّ وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ فَخَّارٍ أَبْيَضَ أَوْ أَخْضَرَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ فَخَّارٍ حَنْتَمًا وَإِنَّمَا الْحَنْتَمُ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالْحَنْتَمِ الْمَعْمُولِ مِنْ الزُّجَاجِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ يُعَجِّلُ الشِّدَّةَ فِي الشَّرَابِ وَأَمَّا الْفَخَّارُ الَّذِي لَمْ يُطْلَ فَلَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَجَرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا النَّقِيرُ فَهُوَ الْعُودُ الْمَنْقُورُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَهُوَ عِنْدَهُ كَالْمُزَفَّتِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مِنْ التَّعْجِيلِ مَبْلَغَ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ.

وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ «وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيهَا» وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا ظَرْفٌ يُعَجِّلُ تَغْيِيرَ مَا يُنْبَذُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ الِانْتِبَاذُ فِيهِ كَالدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَا جَمِيعًا]

(ش) : قَوْلُهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا» يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا إذَا بَلَغَ حَدَّ الْمُسْكِرِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُ فِي تَحْرِيمِهِ وَأَمَّا مَا لَمْ يُسْكِرْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ مَنْعِ مَالِكٍ مِنْهُ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَنْعُ تَحْرِيمٍ وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْعُ كَرَاهِيَةٍ وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّهُ «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا» وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنَى يُعَجِّلُ إحْدَاثَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فِي الشَّرَابِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ أَصْلُهُ الِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِمَنْعِ التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا شَرَابٌ لَمْ تَحْدُثْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَلَمْ يَحْرُمْ بِهَا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا بِالِانْتِبَاذِ وَأَمَّا الِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ جَارِيَيْنِ فِي كُلِّ مَا يُعَجِّلُ حُدُوثَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبُسْرَ مَا قَدْ أَزْهَى مِنْ الثَّمَرِ وَلَمْ يَبْدُ فِيهِ إرْطَابٌ وَالرُّطَبُ مَا قَدْ جَاوَزَ الْبُسْرَ إلَى الْإِرْطَابِ وَإِذَا مَنَعَ مِنْ جَمْعِهِمَا النَّبْذُ مِنْ الْبُسْرِ فِي حُكْمِ جَمِيعِهَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ انْتِبَاذُهُ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>