للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ» ) .

ــ

[المنتقى]

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠] تَمَّ كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

[كِتَابُ الْجِهَادِ] ١

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ الْجِهَادِ (التَّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ) مَعْنَى التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ الْإِعْلَامُ بِعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَجَزِيلِ أَجْرِهِ لِيُرَغِّبَ النَّاسَ فِيهِ وَأَكْثَرُ مَا يُوصَفُ بِالرَّغَائِبِ مَا قَصَرَ عَنْ رُتْبَةِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا يُوصَفُ بِأَتَمِّ أَحْوَالِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ هَهُنَا لِلْوَصْفِ لَهُ بِوُجُوبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنَّمَا قُصِدَ الْحَضُّ عَلَى فِعْلِهِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ جَزِيلِ ثَوَابِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مِنْ الرَّغَائِبِ لِمَنْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ مَكَانِهِ مَعَ ظُهُورِ الْمُجَاوِرِينَ لِلْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ وَاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ عَوْنِ مَنْ بَعُدَ عَنْهُمْ.

وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي مِثْلِ هَذَا: كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ فَرْضًا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْآنَ هُوَ مُرَغَّبٌ فِيهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

الْجِهَادُ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ سَقَطَ فَرْضُهُ عَمَّنْ قَامَ بِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا عَمَّتْ الْحَاجَةُ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَدَهَمَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ مَا لَا يَقُومُ بِهِ بَعْضُهُمْ لَزِمَ الْفَرْضُ جَمِيعَهُمْ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: ٣٩] .

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْجِهَادِ فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكُفَّارُ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يَدْخُلُوا فِي الذِّمَّةِ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَجَرَيَانِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٢٩] إلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا مَعَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَغَلَبَتِهِمْ لَهُمْ فَأَمَّا إذَا ضَعُفَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِمُهَادَنَتِهِمْ وَمُصَالَحَتِهِمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ وَسَأَلَ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ سَحْنُونًا قَالُوا: أَرَأَيْت لَوْ انْقَطَعَتْ عَنَّا الْجُيُوشُ وَبَعُدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَدُوُّنَا قَرِيبٌ مِنَّا فِي قُوَّةٍ هَلْ لِأَمِيرِ الثُّغُورِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ إذْ لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ قَالَ: نَعَمْ وَلَا يَبْعُدُ فِي الْمُدَّةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مُهَادَنَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ حَتَّى قَوِيَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مُصَالَحَتُهُمْ عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمْ الْمُسْلِمُونَ إيَّاهُ إذَا عَجَزُوا عَنْ حِمَايَةِ زَرْعِهِمْ أَوْ حِمَايَةِ بَيْضَتِهِمْ أَوْ حِصْنٍ مِنْ حُصُونِهِمْ وَخَافُوا التَّغَلُّبَ وَأَخْذَ الْعَدُوِّ مَنْ فِيهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ فَهُوَ جَائِزٌ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ السَّبِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ هِيَ سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إذَا أُطْلِقَتْ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَتْ الْغَزْوَ إلَى الْعَدُوِّ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِمَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي الْغَزْوِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ إطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَظْهَرُ فِي الْغَزْوِ وَتَمْثِيلُهُ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالصَّائِمِ الْقَائِمِ يُرِيدُ فِي عِظَمِ ثَوَابِهِ وَكَثْرَتِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ عَلَى جِهَادِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِثْلَ ثَوَابِ الْمُسْتَدِيمِ لِلْقِيَامِ وَالصِّيَامِ لَا يَفْتُرُ عَنْهُمَا وَإِنَّمَا أَحَالَ عَلَى ثَوَابِ الصَّائِمِ وَالْقَائِمِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ مِقْدَارَهُ لِمَا قَرَّرَ الشَّرْعُ مِنْ كَثْرَتِهِ وَعُرِفَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقَائِمِ هَهُنَا الْمُصَلِّي يُقَالُ فُلَانٌ يَقُومُ بِاللَّيْلِ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>