للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إلَيْهِ بِالْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ) .

الْعَمَلُ فِيمَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إذَا بَلَغْت وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنُك بِهِ)

ــ

[المنتقى]

حُكْمُ مَنْ أَمَّنَهُ الْمُسْلِمُ الْجَائِزُ الْأَمَانُ وَأَمَّا التَّأْمِينُ الْمُتَرَقَّبُ فَأَنْ يَنْظُرَ فِيهِ الْإِمَامُ فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَرَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ التَّأْمِينَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ قَتْلُ الْمُؤَمَّنِ وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي حَالِهِ فَإِنْ رَأَى التَّأْمِينَ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَعَلَّ هَذَا أَنْ يَكُونَ تَجَوُّزًا مِمَّنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُرَدَّ إلَى مِثْلِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّأْمِينِ وَلَوْ لَزِمَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ لَكَانَ أَمَانًا تَامًّا فَهَذَا عِنْدَ سَحْنُونٍ هُوَ التَّأْمِينُ الصَّحِيحُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَرَى هَذَا رَدَّ الْأَمَانِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا ضَرَبْت عُنُقَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْتَأْمَنِ.

وَقَدْ قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَأْمَنًا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْإِشَارَةَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا إفْهَامٌ بِالْأَمَانِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا يَقْتُلُوا مَنْ أَشَارُوا إلَيْهِ بِالْأَمَانِ وَالْإِشَارَةُ بِالْأَمَانِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشِيرَ إلَى مُمْتَنِعٍ بِالْأَمَانِ فَهَذَا يَكُونُ آمِنًا يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ وَالثَّانِي أَنْ يُؤَمِّنَ أَسِيرًا بَعْدَ أَنْ يَأْسِرَهُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ قَتْلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْإِمَامَ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ النَّظَرِ لِلْإِمَامِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَا خَتَرَ قَوْمٌ الْعَهْدَ يُرِيدُ نَقَضُوهُ وَلَمْ يَفُوا بِهِ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَتُهُمْ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَآثِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْعَمَلُ فِيمَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُرِيدُ أَخْرَجَ فِيهِ نَفَقَةً أَوْ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ يُرِيدُ الَّذِي يَدْفَعُ إلَيْهِ ذَلِكَ إذَا بَلَغْت وَادِيَ الْقُرَى يُرِيدُ أَنَّ هَذَا نِهَايَةٌ فِي سَفَرِهِ وَمُقْتَضَى غَزْوِهِ فِي رُجُوعِهِ غَازِيًا مِنْ الشَّامِ وَقَوْلُهُ فَشَأْنُك بِهِ يَعْنِي هُوَ لَك وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: حُكْمُ مَحَلِّ الْعَطِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فَأَمَّا حُكْمُ مَحَلِّ الْعَطِيَّةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْإِطْلَاقُ وَالثَّانِي التَّعْيِينُ فَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: مَا لِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ مُنْصَرِفَهُ إلَى الْغُزَاةِ وَمَنْ فِي مَوْضِعِ الْجِهَادِ لِأَنَّ إطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَظَاهِرِهَا يَقْتَضِي الْجِهَادَ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا جِهَادَ فِيهِ وَلَا غَزْوَ فَلَا يُعْطَى مِنْهُ حَاجٌّ وَلَا غَيْرُهُ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ سَحْنُونٌ: وَيُعْطَى مِنْهُ الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُعْطَى مِنْهُ مَنْ تَعَطَّلَ عَنْ الْعَمَلِ كَالْمَفْلُوجِ وَالْأَعْمَى وَيُعْطَى مِنْهُ الْمَرِيضُ وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ عُمَّارِ الثُّغُورِ وَفِي بَقَائِهِمْ هُنَاكَ تَكْثِيرٌ لِلْعَدُوِّ وَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَانُوا مُسْتَحِقِّينَ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ لَا يُرْجَى مِنْهُمْ عَوْنٌ عَلَى الْحَرْبِ فَلَا يُعْطُونَ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ إنَّمَا أُخْرِجَ لِلْعَوْنِ عَلَى الْحَرْبِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْعَلَ الْعَطِيَّةَ فِي السَّبِيلِ خَاصَّةً فَهَذَا لَيْسَ لِمَنْ أُعْطِيَهَا تَمَوُّلُهَا وَلَا إنْفَاقُهَا فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهُ عُدُولٌ بِالْعَطِيَّةِ عَنْ وَجْهِهَا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا فِي الْقُفُولِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُنْفِقُ مِنْهَا فِي الْقُفُولِ وَقَالَ مَالِكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>