للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ الْعَدُوِّ أَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ) .

مَا جَاءَ فِي إعْطَاءِ النَّفْلِ مِنْ الْخُمُسِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) .

ــ

[المنتقى]

تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ أَوْ بِالْعُرْفِ فِي الشَّرْعِ وَأَمَّا مَنْ سَأَلَ عَنْ نَفْسِ الْأَنْفَالِ فَلَيْسَ هَذَا جَوَابُهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يَتَبَيَّنْ سُؤَالَهُ وَلَا تَبَيَّنَ مُرَادَهُ فَاعْتَقَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَسْأَلُهُ عَمَّا قَدْ جَاوَبَهُ بِهِ أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِسُؤَالِهِ مِنْ سُوءِ التَّأْوِيلِ وَإِظْهَارِ الْإِعْجَابِ بِقَوْلِهِ وَادِّعَاءِ الْمَعْرِفَةِ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ وَانْفِرَادِهِ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَا اقْتَضَى أَنْ يُجَاوِبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا جَاوَبَهُ بِهِ أَوْ لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ السُّؤَالَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مَسَائِلِ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ فَيُغْفِلُ ذَلِكَ وَيُقْبِلُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ وَلَا يَفْهَمُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مِثْلُ هَذَا؟ مِثْلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقِصَّةُ صَبِيغٍ الْمَذْكُورِ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّيْمِيُّ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي عَنْ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا؟ قَالَ: هِيَ الرِّيَاحُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا؟ قَالَ: هِيَ السَّحَابُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْجَارِيَاتِ يُسْرًا؟ قَالَ: هِيَ السُّفُنُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ فَلَمَّا بَرَأَ دَعَا بِهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى وَحَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ وَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: امْنَعْ النَّاسَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ يَجِدُ شَيْئًا فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ: مَا أَخَالُهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُجَالَسَتِهِ النَّاسَ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ سَلَبَ الْمَقْتُولِ لَا يَكُونُ لِلْقَاتِلِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْعُمُومِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ قَوْلُهُ فِي الْخُصُوصِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ: إنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ وَإِنْ قَتَلْت فُلَانًا الرَّجُلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَكَ سَلَبُهُ أَوْ يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ بَنِي فُلَانٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ سَلَبُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى حَسْبِ مَا قَالَهُ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَهُ عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ مِنْ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَغَازِي قَبْلَ حُنَيْنٍ وَبَعْدَهُ عُرِّيَتْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْ هَذَا الْحُكْمِ فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا سَلَبُهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ وَأَنَّهُ إنْ قَالَهُ وَحَكَمَ بِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا سَلَبُهُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْغَانِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ نَاسِخًا لِلثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ نَاسِخًا لِبَعْضِ حُكْمِ الْآيَةِ أَوْ مُخَصِّصًا لِعُمُومِهَا أَوْ مُفَسِّرًا لِحُكْمِهَا وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخُمُسَ الَّذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُنْصَرِفٌ بَعْضُهُ وَهُوَ سَلَبُ الْمَقْتُولِ لِلْقَاتِلِ إذَا رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ قَبْلَ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَمِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ لَا تَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي إعْطَاءِ النَّفْلِ مِنْ الْخُمُسِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّاسُ كَانُوا يُعْطَوْنَ النَّفَلَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْخُمُسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>