للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ)

ــ

[المنتقى]

فَهَذَا إذَا عَلَّقَ مَشْيَهُ بِالْمَدِينَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّذْرُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَالِهِ فِيهِ طَاعَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ أَوْ النَّذْرَ إذَا عَلَّقَهُمَا بِمُبَاحٍ لَمْ يَنْعَقِدُ شَيْءٌ مِنْهُمَا.

[اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ]

(ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ إنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ وَرُوِيَ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَهِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِثْلُ الْيَمِينِ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا لَغْوَ فِيهِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَحْظُورٌ فَلَمْ يُعْفَ عَنْ الْحَالِفِ بِهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بَلْ شَدَّدَ عَلَيْهِ بِإِلْزَامِهِ مَا الْتَزَمَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ الْتَزَمَهُ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَمُبَاحَةٌ فَلِذَلِكَ دَخَلَهَا التَّخْفِيفُ وَالْعَفْوُ عَنْ لَغْوِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ كَالنَّذْرِ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ اللَّغْوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ خِلَافَهُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ وَذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ أَنَّهُ حَلِفُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهَا لَا تَعْنِي تَعَمُّدَ الْكَذِبِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ تُرِيدَ مَا يَجْرِي فِي تَرَاجُعِ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ يَمِينٍ وَلَا قَصْدٍ إلَيْهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا أَيْمَانٌ جَارِيَةٌ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ وَلَا قَصْدٍ إلَى عَقْدِ الْيَمِينِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ص) (قَالَ مَالِكٌ وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعُهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إلَى مُعْتَذَرٍ إلَيْهِ أَوْ لِيَقْتَطِعَ بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ) .

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ الَّتِي تُكَفَّرُ أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ ثُمَّ لَا يَفْعَلُ أَوْ يَحْلِفُ لَا أَفْعَلُ ثُمَّ يَفْعَلُ فَهَذَانِ الْيَمِينَانِ إنَّمَا يَتَنَاوَلَانِ الْمُسْتَقْبَلَ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ضَرْبَيْنِ يَمِينٌ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَيَمِينٌ عَلَى مَاضٍ فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَا يَدْخُلُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَغْوٌ وَلَا غَمُوسٌ وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا الْبِرُّ فَلَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ أَوْ الْحِنْثُ فَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت الثَّوْبَ وَلَا أَكَلْت هَذَا الْخُبْزَ فَهَذَا إنْ أَطْلَقَ الْفِعْلَ وَلَمْ يُعَلِّقْ بِوَقْتٍ وَلَا مَكَان وَلَا صِفَةٍ؛ مَنَعَتْ الْيَمِينُ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَلَى التَّأْبِيدِ فَمَتَى فَعَلَهُ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ قَيَّدَ الْفِعْلَ بِوَقْتٍ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت هَذَا الثَّوْبَ غَدًا أَوْ لَا لَبِسْته يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا لَبِسْته بِمَكَّةَ أَوْ لَا لَبِسْته رَاكِبًا تَعَلَّقَ الْمَنْعُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بِذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ وَلَا صِفَتَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى إتْيَانِهِ بِالْفِعْلِ فَهَذِهِ الْيَمِينُ قَدْ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِتْيَانَ بِالْفِعْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>