للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ فَقَالَتْ ثَلِّثْ» )

ــ

[المنتقى]

[الْمُقَامُ عِنْدَ الْأَيِّمِ وَالْبِكْرِ]

(ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ» يَقْتَضِي أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَصْبَحَتْ فِيهِ عِنْدَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ، الْبِكْرُ سَبْعٌ وَالثَّيِّبُ ثَلَاثٌ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهَا ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ يَوْمٍ فَاخْتَارَتْ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حِينَ تَعَلَّقَتْ بِثَوْبِهِ إعَادَةً لِلتَّخْيِيرِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ» يُرِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بَلْ يُرِيدُ إكْرَامَهَا وَمُوَافَقَةَ إرَادَتِهَا فِي الْمَقَامِ عِنْدَهَا وَأَنَّهُ إنْ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعٌ فَلَيْسَ لِهَوَانِهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ سَائِرِ الزَّوْجَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَقَامِ عِنْدَهَا فَإِنْ سَبَّعَ عِنْدَهَا وَزَادَ عَلَى الْمَقَامِ عِنْدَ الثَّيِّبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْضِيَ سَائِرَ نِسَائِهِ مِنْ الْمُدَّةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ حُكْمُ الثَّلَاثِ عِنْدَ الثَّيِّبِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لَهَا فِي مَقَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَّصِلَ بِمَا بَعْدَهَا فَيَسْقُطُ لِذَلِكَ حُكْمُ الثَّلَاثِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ التَّسْبِيعِ تَضَمُّنًا لِإِرَادَةِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَا بُدَّ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْحَقِّ الْوَاجِبِ لَهَا مِنْ التَّثْلِيثِ لَمْ يَقْضِ سَائِرَ الْأَزْوَاجِ شَيْئًا وَاسْتَأْنَفَ الْقِسْمَةَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقَامَ عِنْدَ الثَّيِّبِ حَقٌّ لَا يَقْضِي بِهِ سَائِرَ الزَّوْجَاتِ مَقَامًا وَلَا لَهُنَّ فِيهِ اعْتِرَاضٌ لِتَعْلِيقِهِ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ أُمِّ سَلَمَةَ دُونَ مَشِيئَتِهِنَّ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.

قَالَ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقًّا لَهُ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَإِذَا كَانَ حَقًّا لِلزَّوْجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا بِإِذْنِهَا.

فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْتَ سَبَّعْتَ عِنْدَكَ وَإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ وَدُرْتُ» فَأَخْبَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهَا لِأَنَّ الْإِكْرَامَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي إيتَاءِ الْحُقُوقِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي إعْطَاءِ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لِلْمَكْرُومِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِهَا لَقَالَ لَيْسَ بِنَا مُنِعَ حَقُّك وَوَجْهُ قَوْلِنَا بِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ.

وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْغَرَضَ تَأْنِيسُ الْمَرْأَةِ وَبَسْطُهَا وَإِذْهَابُ مَا يَلْحَقُهَا مِنْ الِانْقِبَاضِ وَالْخَجَلِ وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهَا وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عِنْدِي.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ فَهَلْ يَقْضِي بِهِ عَلَى الزَّوْجِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ هُوَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ كَالْمُتْعَةِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ.

فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ سَبَبُهُ الْمُكَارَمَةُ فَلَمْ يُقْضَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ كَالْإِمْتَاعِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْمَقَامِ عِنْدَهَا فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَى الزَّوْجِ كَالْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ.

(فَرْعٌ) وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِلزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا رَوَى أَبُو الْفَرْجِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرَهَا.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَلْزَمُهُ الْمَقَامُ عِنْدَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ التَّأْنِيسُ وَحَاجَتُهَا إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا كَحَاجَتِهَا إذَا كَانَ لَهُ غَيْرُهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَقَامٌ عِنْدَ الزَّوْجَةِ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا كَالْقَسَمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ» يُرِيدُ التَّخْيِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>