للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ فثيون الترجمان لما كَانَ فِي سنة خمس وَسبعين وَمِائَة مرض جَعْفَر بن يحيى بن خَالِد بن برمك فَتقدم الرشيد إِلَى بختيشوع أَن يتَوَلَّى خدمته ومعالجته

وَلما كَانَ فِي بعض الْأَيَّام قَالَ لَهُ جَعْفَر أُرِيد أَن تخْتَار لي طَبِيبا ماهرا أكْرمه وَأحسن إِلَيْهِ

قَالَ لَهُ بختيشوع ابْني جِبْرَائِيل أمهر مني وَلَيْسَ فِي الْأَطِبَّاء من يشاكله

فَقَالَ لَهُ أحضرنيه

وَلما أحضرهُ عالجه فِي مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وبرأ فَأَحبهُ جَعْفَر مثل نَفسه

وَكَانَ لَا يصبر عَنهُ سَاعَة وَمَعَهُ يَأْكُل وَيشْرب

وَفِي تِلْكَ الْأَيَّام تمطت حظية الرشيد وَرفعت يَدهَا فَبَقيت منبسطة لَا يُمكنهَا ردهَا

والأطباء يعالجونها بالتمريخ والإدهان وَلَا ينفع ذَلِك شَيْئا

فَقَالَ الرشيد لجَعْفَر بن يحيى قد بقيت هَذِه الصبية بعلتها

قَالَ لَهُ جَعْفَر لي طَبِيب ماهر وَهُوَ ابْن بختيشوع نَدْعُوهُ ونخاطبه فِي معنى هَذَا الْمَرَض فَلَعَلَّ عِنْده حِيلَة فِي علاجه

فَأمر بإحضاره وَلما حضر قَالَ لَهُ الرشيد مَا اسْمك قَالَ جِبْرَائِيل

قَالَ لَهُ أَي شَيْء تعرف من الطِّبّ فَقَالَ أبرد الْحَار وأسخن الْبَارِد وأرطب الْيَابِس وأيبس الرطب الْخَارِج عَن الطَّبْع

فَضَحِك الْخَلِيفَة وَقَالَ هَذَا غَايَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي صناعَة الطِّبّ

ثمَّ شرح لَهُ حَال الصبية فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيل إِن لم يسْخط عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ فلهَا عِنْدِي حِيلَة

فَقَالَ لَهُ وَمَا هِيَ قَالَ تخرج الْجَارِيَة إِلَى هَهُنَا بِحَضْرَة الْجمع حَتَّى أعمل مَا أريده وتمهل عَليّ وَلَا تعجل بالسخط

فَأمر الرشيد بإحضار الْجَارِيَة فَخرجت

وَحين رَآهَا جِبْرَائِيل عدا إِلَيْهَا ونكس رَأسه ومسك ذيلها كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يكشفها فانزعجت الْجَارِيَة وَمن شدَّة الْحيَاء والانزعاج استرسلت أعضاؤها وَبسطت يَديهَا إِلَى أَسْفَل ومسكت ذيلها

فَقَالَ جِبْرَائِيل قد بَرِئت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ

فَقَالَ الرشيد لِلْجَارِيَةِ أبسطي يَديك يمنة ويسرة فَفعلت ذَلِك وَعجب الرشيد وكل من كَانَ بَين يَدَيْهِ

وَأمر الرشيد فِي الْوَقْت لجبرائيل بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم وأحبه مثل نَفسه وَجعله رَئِيسا على جَمِيع الْأَطِبَّاء

وَلما سُئِلَ جِبْرَائِيل عَن سَبَب الْعلَّة قَالَ هَذِه الْجَارِيَة انصب إِلَى أعضائها وَقت المجامعة خلط رَقِيق بالحركة وانتشار الْحَرَارَة وَلأَجل أَن سُكُون حَرَكَة الْجَمَاعَة تكون بَغْتَة جمدت الفضلة فِي بطُون جَمِيع الأعصاب وَمَا كَانَ يحلهَا إِلَّا حَرَكَة مثلهَا

فاحتلت حَتَّى انبسطت حَرَارَتهَا وانحلت الفضلة

قَالَ فثيون وَكَانَ مَحل جِبْرَائِيل يقوى فِي كل وَقت حَتَّى أَن الرشيد قَالَ لأَصْحَابه كل من كَانَت لَهُ إِلَيّ حَاجَة فليخاطب بهَا جِبْرَائِيل لِأَنِّي أفعل كل مَا يسألني فِيهِ ويطلبه مني

فَكَانَ القواد يقصدونه فِي كل أُمُورهم وحاله تتزايد

ومنذ يَوْم خدم الرشيد وَإِلَى أَن انْقَضتْ خمس عشرَة سنة لم يمرض الرشيد فحظي عِنْده

وَفِي آخر أَيَّام الرشيد عِنْد حُصُوله بطوس مرض المرضة الَّتِي توفّي فِيهَا

وَلما قوي عَلَيْهِ الْمَرَض قَالَ لجبرائيل لم لَا تبرئني فَقَالَ لَهُ قد كنت أَنهَاك دَائِما عَن التَّخْلِيط

<<  <   >  >>