للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فكبسوا دَاره وأخذوه إِلَى الْحَبْس وأغاروا على أَسبَابه وَأخذُوا جَمِيع مَا كَانَ يملكهُ

وسألوا الْأَمِير قَتله فَامْتنعَ مِنْهُ وَعدل إِلَى نَفْيه عَن الدولة طلبا لمرضاتهم فتوارى فِي دَار الشَّيْخ أبي سعد ابْن دخدوك أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَعَاد الْأَمِير شمس الدولة القولنج وَطلب الشَّيْخ فَحَضَرَ مَجْلِسه فَاعْتَذر الْأَمِير إِلَيْهِ بِكُل الِاعْتِذَار فاشتغل بمعالجته وَأقَام عِنْده مكرما مبجلا

وأعيدت الوزارة إِلَيْهِ ثَانِيًا ثمَّ سَأَلته أَنا شرح كتب أرسطوطاليس فَذكر أَنه لَا فرَاغ لَهُ إِلَى ذَلِك فِي ذَلِك الْوَقْت

وَلَكِن إِن رضيت مني بتصنيف كتاب أورد فِيهِ مَا صَحَّ عِنْدِي من هَذِه الْعُلُوم بِلَا مناظرة مَعَ الْمُخَالفين وَلَا اشْتِغَال بِالرَّدِّ عَلَيْهِم فعلت ذَلِك فرضيت بِهِ

فابتدأ بالتطبيعيات من كتاب سَمَّاهُ كتاب الشِّفَاء وَكَانَ قد صنف الْكتاب الأول من القانون

وَكَانَ يجْتَمع كل لَيْلَة فِي دَاره طلبة الْعلم وَكنت أَقرَأ من الشِّفَاء

وَكَانَ يقرئ غَيْرِي من القانون نوبَة

فَإِذا فَرغْنَا حضر المغنون على اخْتِلَاف طبقاتهم وهيئ مجْلِس الشَّرَاب بآلاته وَكُنَّا نشتغل بِهِ وَكَانَ التدريس بِاللَّيْلِ لعدم الْفَرَاغ بِالنَّهَارِ خدمَة للأمير فقضينا على ذَلِك زَمنا ثمَّ توجه شمس الدّين إِلَى طارم لِحَرْب الْأَمِير بهَا وعاوده القولنج قرب ذَلِك الْموضع وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وانضاف إِلَى ذَلِك أمراض أخر جلبها سوء تَدْبيره وَقلة الْقبُول من الشَّيْخ فخاف الْعَسْكَر وَفَاته فَرَجَعُوا بِهِ طَالِبين هَمدَان فِي المهد فَتوفي فِي الطَّرِيق فِي المهد

ثمَّ بُويِعَ ابْن شمس الدولة وطلبوا استيزار الشَّيْخ فَأبى عَلَيْهِم وَكَاتب عَلَاء الدولة سرا يطْلب خدمته والمصير إِلَيْهِ والانضمام إِلَى جوانبه

وَأقَام فِي دَار أبي غَالب الْعَطَّار متواريا

وَطلبت مِنْهُ إتْمَام كتاب الشِّفَاء فَاسْتَحْضر أَبَا غَالب وَطلب الكاغد والمحبرة فأحضرهما وَكتب الشَّيْخ فِي قريب من عشْرين جُزْءا على الثّمن بِخَطِّهِ رُؤُوس الْمسَائِل

وَبَقِي فِيهِ يَوْمَيْنِ حَتَّى كتب رُؤُوس الْمسَائِل كلهَا بِلَا كتاب يحضرهُ وَلَا أصل يرجع إِلَيْهِ بل من حفظه وَعَن ظهر قلبه

ثمَّ ترك الشَّيْخ تِلْكَ الْأَجْزَاء بَين يَدَيْهِ وَأخذ الكاغد فَكَانَ ينظر فِي كل مَسْأَلَة وَيكْتب شرحها فَكَانَ يكْتب كل يَوْم خمسين ورقة حَتَّى أَتَى على جَمِيع الطبيعيات والإلهيات مَا خلا كتابي الْحَيَوَان والنبات

وابتدأ بالْمَنْطق وَكتب مِنْهُ جُزْءا

ثمَّ أَتَّهِمهُ تَاج الْملك بمكاتبته عَلَاء الدولة فَأنْكر عَلَيْهِ ذَلِك وحث فِي طلبه فَدلَّ عَلَيْهِ بعض أعدائه فَأَخَذُوهُ وأدوه إِلَى قلعة يُقَال لَهَا فردجان وَأَنْشَأَ هُنَاكَ قصيدة مِنْهَا

(دخولي بِالْيَقِينِ كَمَا ترَاهُ ... وكل الشَّك فِي أَمر الْخُرُوج) الوافر

وَبَقِي فِيهَا أَرْبَعَة أشهر

ثمَّ قصد عَلَاء الدولة هَمدَان وَأَخذهَا وَانْهَزَمَ تَاج الْملك وَمر إِلَى تِلْكَ القلعة بِعَينهَا

ثمَّ رَجَعَ عَلَاء الدولة عَن هَمدَان وَعَاد تَاج الْملك وَابْن شمس الدولة إِلَى هَمدَان وحملوا مَعَهم الشَّيْخ إِلَى هَمدَان وَنزل فِي دَار الْعلوِي واشتغل هُنَاكَ بتصنيف الْمنطق من كتاب الشِّفَاء وَكَانَ قد صنف بالقلعة كتاب الهدايات ورسالة حَيّ بن يقظان وَكتاب القولنج

وَأما الْأَدْوِيَة

<<  <   >  >>