للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

النّظر فِي هَذَا الْمَعْنى حَتَّى تلخص لَهُ فِيهِ رَأْي وَاجْتمعَ بالأفضل بن أَمِير الجيوش ملك الْإسْكَنْدَريَّة وأوجده أَنه قَادر أَن تهَيَّأ لَهُ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْآلَات أَن يرفع الْمركب من قَعْر الْبَحْر ويجعله على وَجه المَاء مَعَ مَا فِيهِ من الثّقل فتعجب من قَوْله وَفَرح بِهِ وَسَأَلَهُ أَن يفعل ذَلِك

ثمَّ آتَاهُ على جَمِيع مَا يَطْلُبهُ من الْآلَات وَغرم عَلَيْهَا جملَة من المَال

وَلما تهيأت وَضعهَا فِي مركب عَظِيم على موازاة الْمركب الَّذِي قد غرق وأرسى إِلَيْهِ حِبَالًا مبرومة من الإبريسم وَأمر قوما لَهُم خبْرَة فِي الْبَحْر أَن يغوصوا ويوثقوا ربط الحبال بالمركب الغارق وَكَانَ قد صنع آلَات بأشكال هندسية لرفع الأثقال فِي الْمركب الَّذِي هم فِيهِ

وَأمر الْجَمَاعَة بِمَا يَفْعَلُونَهُ فِي تِلْكَ الْآلَات

وَلم يزل شَأْنهمْ ذَلِك والحبال الإبريسم ترْتَفع إِلَيْهِم أَولا فأولا وتنطوي على دواليب بَين أَيْديهم حَتَّى بَان لَهُم الْمركب الَّذِي كَانَ قد غرق وارتفع إِلَى قريب من سطح المَاء

ثمَّ عِنْد ذَلِك انْقَطَعت الحبال الإبريسم وَهَبَطَ الْمركب رَاجعا إِلَى قَعْر الْبَحْر

وَلَقَد تلطف أَبُو الصَّلْت جدا فِيمَا صنعه وَفِي التحيل إِلَى رفع الْمركب إِلَّا أَن الْقدر لم يساعده وحنق عَلَيْهِ الْملك لما غرمه من الْآلَات وَكَونهَا مرت ضائعة وَأمر بحبسه وَأَن يسْتَوْجب ذَلِك

وَبَقِي فِي الاعتقال مُدَّة إِلَى أَن شفع فِيهِ بعض الْأَعْيَان وَأطلق

وَكَانَ ذَلِك فِي خلَافَة الْآمِر بِأَحْكَام الله ووزارة الْملك الْأَفْضَل بن أَمِير الجيوش

ونقلت من رسائل الشَّيْخ أبي الْقَاسِم عَليّ بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بِابْن الصَّيْرَفِي فِي مَا هَذَا مِثَاله

قَالَ وردتني رقْعَة من الشَّيْخ أبي الصَّلْت وَكَانَ معتقلا وَفِي آخرهَا نُسْخَة قصيدتين خدم بهما الْمجْلس الأفضلي أول الأولى مِنْهُمَا

(الشَّمْس دُونك فِي الْمحل ... وَالطّيب ذكرك بل أجل) الْكَامِل

وَأول الثَّانِيَة

(نسخت غرائب مدحك التشبيبا ... وَكفى بهَا غزلا لنا ونسيبا) الْكَامِل

فَكتبت إِلَيْهِ

(لَئِن سترتك الْجدر عَنَّا فَرُبمَا ... رَأينَا جلابيب السَّحَاب على الشَّمْس) الطَّوِيل

وردتني مولَايَ فَأخذت فِي تقبيلها وارتشافها قبل التَّأَمُّل لمحاسنها واستشفافها حَتَّى كَأَنِّي ظَفرت بيد مصدرها وتمكنت من أنامل كاتبها ومسطرها ووقفت على مَا تضمنته من الْفضل الباهر وَمَا أودعتها من الْجَوَاهِر الَّتِي قذف بهَا فيض الخاطر

فَرَأَيْت مَا قيد فكري وطرفي وَجل عَن مُقَابلَة تقريظي ووصفي

وَجعلت أجدد تلاوتها مستفيدا وأرددها مبتدئا فِيهَا ومعيدا

(نكرر طورا من قراة فصوله ... فَإِن نَحن أتممنا قِرَاءَته عدنا)

<<  <   >  >>