للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والنجار مَعَه إِلَى الْبَاب والأطباء جُلُوس قَالَ لَهُ الْحَكِيم الْمَذْكُور مَا هَذَا النجار قَالَ يعْمل تابوتا لمريضتكم

فَقَالَ لَهُ تضعونها فِيهِ وَهِي فِي الْحَيَاة فَقَالَ الرَّسُول لَا لَكِن بعد مَوتهَا

قَالَ لَهُ ترجع بِهَذَا النجار وَتقول للسُّلْطَان عني خَاصَّة أَنَّهَا فِي هَذِه المرضة لَا تَمُوت

فَرجع وَأخْبرهُ بذلك

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل استدعاه السُّلْطَان بخادم وشمعة وورقة بِخَطِّهِ يَقُول فِيهَا ولد الْفَارِس يحضر إِلَيْنَا لِأَنَّهُ لم يكن بعد سمي أَبَا حليقة وَإِنَّمَا سَمَّاهُ بذلك فِيمَا بعد السُّلْطَان الْملك الْكَامِل

فَإِنَّهُ كَانَ فِي بعض الْأَيَّام جَالِسا مَعَ الْأَطِبَّاء على الْبَاب فَقَالَ السُّلْطَان للخادم فِي أول مرّة اطلب الْحَكِيم فَقَالَ لَهُ يَا خوند أَي الْحُكَمَاء هُوَ فَقَالَ لَهُ أَبُو حليقة

فاشتهر بَين النَّاس بِهَذَا الِاسْم من ذَلِك الْيَوْم إِلَى حَيْثُ غطى نَعته ونعت عَمه الَّذِي كَانُوا يعْرفُونَ بِهِ ببني شَاكر

فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ قَالَ أَنْت منعت عمل التابوت فَقَالَ نعم

قَالَ بِأَيّ دَلِيل ظهر لَك هَذَا من دون الْأَطِبَّاء كلهم قَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا لمعرفتي مزاجها وبأوقات مَرضهَا على التَّحْرِير من دونهم وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَأْس فِي هَذِه المرضة

فَقَالَ لَهُ امْضِ وطبها وَاجعَل بالك لَهَا

فطب الْمَذْكُورَة وعوفيت

ثمَّ أخرجهَا السُّلْطَان وَزوجهَا وَولدت من زَوجهَا أَوْلَادًا كثيرين

وَمن جملَة مَا تمّ أَيْضا لَهُ أَنه حكم معرفَة نبض الْملك الْكَامِل حَتَّى أَنه فِي بعض الْأَيَّام خرج إِلَيْهِ من خلف الستارة مَعَ الآدر المرضى فَرَأى نبض الْجَمِيع وَوصف لَهُم

فَلَمَّا انْتهى إِلَى نبضه عرفه فَقَالَ هَذَا نبض مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ صَحِيح بِحَمْد الله فتعجب مِنْهُ غَايَة الْعجب وَزَاد تمكنه عِنْده

وَمن حكاياته مَعَه أَنه أمره بِعَمَل الترياق الْفَارُوق فاشتغل بِعَمَلِهِ مُدَّة طَوِيلَة ساهرا عَلَيْهِ اللَّيْل حَتَّى حقق كل وَاحِد من مفرداته اسْما على مُسَمّى بِشَهَادَة أَئِمَّة الصِّنَاعَة أبقراط وجالينوس

وَفِي غُضُون ذَلِك حصل للسُّلْطَان نزلة على أَسْنَانه فأفصد بِسَبَبِهَا وَهُوَ ببركة الْفِيل يتفرج بهَا فطلع إِلَى القلعة وَتَوَلَّى مداواته الأسعد الطَّبِيب بن أبي الْحسن بِسَبَب شغل الْمَذْكُور بِعَمَل الترياق

فعالجه الأسعد مُدَّة وَالْحَال كلما مر اشْتَدَّ فَشَكا ذَلِك للأسعد فَقَالَ لَهُ مَا بَقِي قدامي إِلَّا الفصد

فَقَالَ لَهُ أفصد مرّة أُخْرَى ولي عَن الفصد ثَلَاثَة أَيَّام اطْلُبُوا لي أَبَا حليقة

فَحَضَرَ إِلَيْهِ وشكا لَهُ حَاله وأعلمه أَن ذَلِك الطَّبِيب قد أَشَارَ عَلَيْهِ بالفصد واستشاره فِيهِ أَو فِي شرب دَوَاء فَقَالَ يَا مَوْلَانَا بدنك بِحَمْد الله نقي وَالْأَمر أيسر من هَذَا كُله

فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان إيش تَقول لي أيسر وَأَنا فِي شدَّة عَظِيمَة من هَذَا الْأَلَم لَا أَنَام اللَّيْل وَلَا أقرّ النَّهَار

فَقَالَ لَهُ يتَسَوَّك مَوْلَانَا من الترياق الَّذِي حمله الْمَمْلُوك فِي البرنية الْفضة الصَّغِيرَة وَترى بِإِذن الله الْعجب

وَخرج إِلَى الْبَاب وَلم يشْعر إِلَّا بِوَرَقَة بِخَط السُّلْطَان قد خرجت إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُول فِيهَا يَا حَكِيم اسْتعْملت مَا ذكرته فَزَالَ جَمِيع مَا بِي لوقته وَكَانَ ذَلِك بِحُضُور الأسعد الطَّبِيب الَّذِي كَانَ يعالجه أَولا

فَقَالَ لَهُ وَنحن مَا نصلح لمداواة الْمُلُوك وَلَا يصلح لمداواتهم إِلَّا أَنْتُم

ثمَّ دخل الْملك الْكَامِل إِلَى خزانته وَبعث إِلَيْهِ مِنْهَا خلعا سنية وذهبا متوفرا

وَمن حكاياته إِنَّه لما طَال عَلَيْهِ عمل الترياق الْفَارُوق لتعذر حُضُور أدويته الصَّحِيحَة من الْآفَاق

<<  <   >  >>