للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْبَاب الْخَامِس عشر

طَبَقَات الْأَطِبَّاء الْمَشْهُورين من أطباء الشَّام

أَبُو نصر الفارابي

هُوَ أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أوزلغ بن طرخان مدينته فاراب وَهِي مَدِينَة من بِلَاد التّرْك فِي أَرض خُرَاسَان وَكَانَ أَبوهُ قَائِد جَيش وَهُوَ فَارسي المنتسب

وَكَانَ بِبَغْدَاد مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى الشَّام وَأقَام بِهِ إِلَى حِين وَفَاته

وَكَانَ رَحمَه الله فيلسوفا كَامِلا وإماما فَاضلا قد أتقن الْعُلُوم الْحكمِيَّة وبرع فِي الْعُلُوم الرياضية زكي النَّفس قوي الذكاء متجنبا عَن الدُّنْيَا مقتنعا مِنْهَا بِمَا يقوم بأوده يسير سيرة الفلاسفة الْمُتَقَدِّمين

وَكَانَت لَهُ قُوَّة فِي صناعَة الطِّبّ وَعلم بالأمور الْكُلية مِنْهَا

وَلم يُبَاشر أَعمالهَا وَلَا حاول جزئياتها

وحَدثني سيف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي عَليّ الْآمِدِيّ أَن الفارابي كَانَ فِي أول أمره ناطورا فِي بُسْتَان بِدِمَشْق وَهُوَ على ذَلِك دَائِم الِاشْتِغَال بالحكمة وَالنَّظَر فِيهَا والتطلع إِلَى آراء الْمُتَقَدِّمين وَشرح مَعَانِيهَا

وَكَانَ ضَعِيف الْحَال حَتَّى أَنه كَانَ فِي اللَّيْل يسهر للمطالعة والتصنيف ويستضيء بالقنديل الَّذِي للحارس

وَبَقِي كَذَلِك مُدَّة

ثمَّ إِنَّه عظم شَأْنه وَظهر فَضله واشتهرت تصانيفه وَكَثُرت تلاميذه وَصَارَ أوحد زَمَانه وعلامة وقته

وَاجْتمعَ بِهِ الْأَمِير سيف الدولة أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن حمدَان التغلبي وأكرمه إِكْرَاما كثيرا وعظمت مَنْزِلَته عِنْده وَكَانَ لَهُ مؤثرا

ونقلت من خطّ بعض الْمَشَايِخ أَن أَبَا نصر الفارابي سَافر إِلَى مصر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلثمائة وَرجع إِلَى دمشق وَتُوفِّي بهَا فِي رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلثمائة عِنْد سيف الدولة عَليّ بن حمدَان فِي خلَافَة الراضي وَصلى عَلَيْهِ سيف الدولة فِي خَمْسَة عشر رجلا من خاصته

وَيذكر أَنه لم يكن يتَنَاوَل

<<  <   >  >>