للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أكل لحم الدَّجَاج ويعدل عَن لحم الضَّأْن فِي أَكثر الْأَوْقَات فَشَكا إِلَيْهِ شحوبا كَانَ قد غلب على لَونه

وَكَانَ الْأَطِبَّاء يصفونَ لَهُ كثيرا من الْأَشْرِبَة وَغَيرهَا فَلَمَّا شكا إِلَيْهِ هَذَا مضى لَحْظَة وَعَاد وَمَعَهُ قِطْعَة من صدر دجَاجَة وَقطعَة حَمْرَاء من لحم ضَأْن

ثمَّ قَالَ لَهُ أَنْت تلازم أكل لحم الدَّجَاج فَلم يَأْتِ الدَّم الْمُتَوَلد مِنْهُ مشرق الْحمرَة كَمَا يَأْتِي من لحم الضَّأْن وَأَنت ترى لون هَذَا اللَّحْم من الضان ومباينته فِي اللَّوْن لهَذِهِ الْقطعَة من الدَّجَاج فَيَنْبَغِي أَن تتْرك أكل لحم الدَّجَاج وتلازم أكل لحم الضَّأْن فَإنَّك تصلح وَمَا تحْتَاج مَعَه إِلَى علاج

قَالَ فَقبل هَذَا الرَّأْي مِنْهُ وَتَنَاول مَا أوصاه بِهِ وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة فصلح لَونه واعتدل مزاجه

أَقُول وَهَذَا اقناع حسن أوجده لمن أَرَادَ علاجه وتدبير بليغ فِي حفظ صِحَّته

وَذَلِكَ أَن الْوَزير كَانَ عبل الْبدن تَامّ البنية قوي التَّرْكِيب جيد الاستمراء

فَكَانَت أعضاؤه ترزأ من لحم الدَّجَاج بِدَم لطيف وَهِي تحْتَاج إِلَى غذَاء أغلط مِنْهُ وامتن

فَلَمَّا لَازم أكل لحم الضَّأْن صَار يتَوَلَّد لَهُ مِنْهُ دم متين يقوم بكفاية مَا تحْتَاج إِلَيْهِ أعضاؤه فصلح مزاجه وَظهر لَونه

وَكَانَ مولد الشَّيْخ رَضِي الدّين الرَّحبِي فِي شهر جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بِجَزِيرَة ابْن عمر وَكَانَ أول مَرضه فِي يَوْم عيد الْأَضْحَى من سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ووفاته رَحمَه الله بكرَة يَوْم الْأَحَد الْعَاشِر من الْمحرم سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَدفن بجبل قاسيون

فَعَاشَ نَحْو الْمِائَة سنة وَلم يتَبَيَّن تغير شَيْء من سَمعه وَلَا بَصَره

وَإِنَّمَا كَانَ فِي آخر عمره قد عرض لَهُ نِسْيَان للأشياء الْقَرِيبَة الْعَهْد المتجددة وَأما الْأَشْيَاء الْبَعِيدَة الْمدَّة الَّتِي كَانَ يعرفهَا من زمَان طَوِيل فَإِنَّهُ كَانَ ذَاكِرًا لَهَا

وَخلف وَلدين الْأَكْبَر مِنْهُمَا شرف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ وَالْآخر جمال الدّين عُثْمَان

وَحكى لي بعض أَهله مِمَّن لَازمه فِي الْمَرَض أَنه عِنْد مَوته جس نبض يَده الْيُسْرَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَبَقِي كالمتأمل المفكر فِي ذَلِك

ثمَّ ضرب بيدَيْهِ كفا على كف لِأَنَّهُ علم أَن قوته قد سَقَطت

قَالَ وَعدل زورقية كَانَت على رَأسه بيدَيْهِ

واستبسل للْمَوْت وَمَات بعد ذَلِك

ولرضي الدّين الرَّحبِي من الْكتب بتهذيب شرح ابْن الطّيب لكتاب الْفُصُول لأبقراط

اخْتِصَار كتاب الْمسَائِل لحنين كَانَ قد شرع فِي ذَلِك وَلم يكمله

شرف الدّين بن الرَّحبِي

هُوَ الْحَكِيم الإِمَام الْعَالم الْفَاضِل عَلامَة عصره وفريد دهره شرف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف ابْن حيدرة بن الْحسن الرَّحبِي

كَانَ مولده بِدِمَشْق فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ قد سلك حَذْو أَبِيه واقتفى مَا كَانَ يقتفيه

وَهُوَ أشبه بِهِ خلقا وخلقا وطرائق

لم يزل متوفرا على قِرَاءَة

<<  <   >  >>