للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما العلاقات بين هؤلاء الملوك والأمراء أنفسهم فقد كان أساسها وبناؤها على حذر ونفاق ومنافسة ومعاداة ومؤامرة، مما أشعلت به نار الفتن بينهم جميعا فأخذوا يتحاربون ويتطاحنون ويستمدون عددهم الأجنبي المتربص بهم الدوائر. وكان واحد منهم، إذا أحس بالقوة أو آنس في نفسه البأس، انقض على جاره الضعيف لتحقيق مجده الشخصي. فلم يكن أمام المغلوب الضعيف إلا طريقان أما أن يتخالف مع جار أقوى أو يستنصر من الإفرنج.

وظل المر على ذلك ودسائس الفونس وغاراته تشتد، واضطراب العامة واستصراخهم يزيد، حتى لبى دعواتهم يوسف اللمتوني ليذيق ملوم الطوائف و " سيدهم " افونس بأسه، وفي خلال سنوات عديدة، دانت له الأندلس كلها وأصبح ملوك الطوائف عبرة من عبر التاريخ وأسطورة من أساطير الدهر.

[٢ - الضعف والاضطراب الداخلي]

وكان عصر الطوائف هو أضعف العصور الإسلامية في الأندلس وأوهنها ففيه انقسمت البلاد، وتولى الحكم فيه بعض والضعفاء الحمقاء، الذين كانوا يفخرون بقرد أهداه إليهم ملك الأسبان. كما أنهم كانوا يدعونه ويسلمون إليه مقاليد المدن فيحتلها العدو، ويقتل أهلها، وينهب أموالهم كما فعل القادر ابن ذي النون بأهل طليطلة. وأضف إلى ذلك ما حدث في هذا العصور من الفتن والحروب التي قامت بين ملوك الطوائف أو الأجناس المختلفة، والاشتاط في تحصيل الضرائب، والصراع العنصري العنيف بين الجنسيات المتعادية. فكان نتيجة هذا الجو المضطرب المتموج ظهور الأشخاص الانتهازيين المغامرين المتعلقين في نواحي البلاد: " ولا سيما في بلاطات الملوك وقصور الأمراء، يتلمظون بانتظار فرصة وصفقة رابحة ولقمة سائغة ".

[٣ - الروح الدينية المتشددة]

لم تزل هذه الروح تسود المجتمع الإسلامي في الأندلس في جميع أدوار التاريخ والسبب في ذلك يرجع إلى أمرين. أولهما أن المسلمين كانوا في بقعة تتأخمها المسيحية المتعادية لدينهم ووجودهم فكان لذلك أثر كبير في إذكاء الشعور الديني في نفوسهم والتعصب لعقيدتهم، كما نرى عند المسلمين في شبه القارة الباكستانية الهندية. فان هذا التحمس الشديد للإسلام والمناضلة دونه كان كله كرد فعل لتعصب الهنادكة وعدواتهم الكامنة ضد الإسلام والمسلمين في هذه الديار.

ثاني الأمرين هي سيادة الفقهاء وقيادتهم. فان الأمير عبد الله بقول في مذكراته: " ولم تزل الأندلس قديما وحديثا عامرة بالعلماء والفقهاء وأهل الدين، وإليهم كانت الأمور مصروفة " إلا ما يلزم للملك من خاصته وعبيده وأجناده من الأخذ من واحد ودفعه لآخر لينخل بذلك عسكره ويتخير أفضله " وقد زادت هذه الروح شدة في عصر ملوك الطوائف، فقد كان الفقهاء يرجع إليهم في شئون الحياة، ومنهم الوزراء والكتاب، وإليهم كان الرأي والمشورة في شؤون الدولة، وكانت كلمتهم هي العلياء. وقد استبد بعضهم بالأمر فاقام دولة مستقلة من أمثال القاضي ابن عباد صاحب أشبيلية والقاضي ابن الجحاف صاحب بلنسية. وكان زهير العامري يشاور الفقهاء ويعمل بقولهم. وكان مجتهد العامري قد نصب بمحل ملكه خايفة دعا الناس إليه وهو الفقيه أبو عبد الله المعيطي وأخذ له على الناس البيعة في جميع عمله بدانية وميورقة وغيرهما، وقد كان هذا الفقيه يعبث بالناس ويستأثر بالفيء ويجاهر بالمعاصي.

وقد استغل الفقهاء مكانتهم الدينية وسلطتهم السياسية فجمعوا الأموال الضخمة على حساب الرعية مما أثار حفائظ الشعب فأعلنوا ذمهم وتهكموا بهم وذمهم الشعراء وحملهم ابن حيان مسؤولية سقوط بلاد الإسلام وزوال الأمة وفسادها وأشركهم في ذلك مع الأمراء والملوك.

[٤ - الترف والرخاء والبذخ]

ويمتاز هذا العصر بمظاهر الرخاء والبذخ والإسراف في شراء القينات، وبناء الدور، والقصور، وإنشاء الحدائق المثمرة، والرياضيات الناضرة، والبساتين الزهراة. وكان ذلك كله على حساب الرعية من الضرائب الباهظة المثقلة التي كانت تفرض عليها.

٥ - طرب واللهو والخلاعة

<<  <   >  >>