للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وله كتاب في المثلث، قد أتى فيه بالعجائب، ودل على اطلاع عظيم له في هذا الموضوع، وقد فاق فيه قطربا من ناحية الصواب وكثر المواد. وحقا سماه المقرى: " إمام نحاة الأندلس ونحويزمانه وعلامته ". وقد ادعى أبو الوليد الشقندي في رسالته، التي خاطب بها ابن المعلم الطنجي أن السيد البطيوسي، مثال له في الشرق ونص كلامه: " وهل لكم في النحو مثل أبي محمد ابن السيد وتصانيفه، ومثل أبى على الشلوبيني ". وقد يكون في هذا القول شيء من المبالغة والغلو، إلا أنه لا يخلو عن الحقيقة الواقعية، فان الخدمات، التي قام بها ابن السيد في ميدان النحو واللغة، ولا يمكن إنكارها أو تجاهلها، وتصانيفه شاهدة على ذلك مؤيدة له، إنها لخدمات جبارة تستحق التقدير والإعجاب.

[٣ - الكاتب الأديب]

وكان ابن السيد كاتبا بليغا، أديبا بارعا، وقد وصل إلينا كثير من رسائله، وكتبه، ما يعطينا صورة كاملة عن نثره، مما كتبه في شتى المناسبات والموضوعات.

ونثره ينقسم إلى قسمين: قسم علمي، وهو ما نجده في تآليفه العلمية والأدبية والدينية. وهذا النوع م١ن النثر، ليس فيه تسجيع، ولا تقفية، إلا ما جاء عفوا، وفي سهولة ويسر، كما نرى في الاقتضاب، وشرح سقط الزند، والانتصار، وكتاب الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة، والطرر على الكامل، وغيرها من مؤلفاته. وقسم أدبي، ونعنى به لغة الرسائل والتوقيعات، والرقعات، التي بعث بها إلى إخوانه، وأصدقائه، من الوزراء، والكتاب، والأدباء، والشعراء، واحتفظ ببعضها، كتب التراجم، والتأريخ، كقلائد العقيان للفتح أبن خاقان، وارهار الرياض للمقرى، ونفخ الطيب له. وهذا النوع من النثر، يلتزم أبن السيد فيه السجع والقافية، وينحو فيه نحو أبن العميد وغيره من الكتاب المترسلين من هذا القبيل في المشرق والمغرب. إلا أنه لا يتكلف السجع. ولا يكلف نفسه بالصنعة، وإنما نراه يميل دائما إلى القصد في الغلو والتنميق. ويأتي بجمل مسجعة متنافسة في أغراض مختلفة متساوقة يجد فيها القارئ لذة، وحلاوة وروعة وجمالا، من اختيار الألفاظ، وحسن التأليف، والتركيب. وهذا النوع من نثره لا يختلف كثيرا عن شعره من ناحية المحاسن اللفظية والمعنوية، كالاستعارة والتشبيه، والتضمين، والتلميح، وغير ذلك من أنواع الصنائع والبدائع. فكان أبن السيد يقول شعرا في قالب نثري. وكذلك فأن له قدره عجيبة في الاستشهاد ببيت الشعر، وإنشاده في المناسبات. فهو يستعمله في أكثر الأحيان في كلامه، ويطبقه، ويبصبه فيه كأنه صنع لهذا الغرض، وكأن الشاعر قاله على طلب من أبن السيد لغرضه هذا أو ذاك!

[نماذج من شعره]

١ - كتب رقعة، يصف بها " قلائد العقيان في محاسن الأعيان " من تصانيف الفتح أبن خاقان، وهذا نصه: " تأملت فسح الله لسيدي وولي في أمد بقائه، كتابه الذي شرع في إنشائه، فرأبت كتابا سينجد ويغور، ويبلغ حيث لا تبلغ البدور، وتبين به الذرى والمناسم، وتغتدى له غرر، في اوج ومواسم، فقد أسجد الله الكلام لكلامك، وجعل النيرات طوع أقلامك، فأنت تهدى بنجومها، وتروى برجومها، فانثرة من نثرك والشعرى من شعرك والبلغاء لك معترفون، وبين يديك متصرفون، وليس يياريك مبار ولا يجاريك إلى الغاية مجار، إلا وقف حسيرا، وسبقت ودعى أخيرا، وتقدمت، لاعدمت شفوفا، ولابرح مكانك بالآمال محفوفا، بعزة الله ".

٢ - وكتب إلى الأستاذ أبي الحسن بن الأخضر رحمه الله: " ياسيدي الأعلى، وعمادي الأسنى، وحسنة الزمان الحسنى، الذي جل قدره وسار مسير الشمس ذكره، ومن أطال الله بقائه، بفضل يعلى مناره، وعلم يحى آثاره نحن - أعزك الله - نتدانى إخلاصا، وإن كنا نتنأى أشخاصا، ويجمعنا الأدب، وإن فرقنا النسب، فالأشكال أقارب، والآداب مناسب، وليس يضر تنأنى الأشباح. إذا تقاربت الأرواح، وما مثلنا في هذا الانتظام، إلا كما قال أبو تمام - رحمه الله:

نسيبي في رأيي وعلمي ومذهبي ... وإن باعدتنا في الأصول المناسب

" الطويل ".

<<  <   >  >>