للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رأى في شرحه أن ترتيبه، على حسب الحروف المعجمة، أتم في الوضع، وأجمل للتصنيف، فاحتاج لذلك، إلى أن يزيد فيه من شعره، ليكون أو في للغرض، وأنفع، فأضاف إليه قدراً كبيراً من اللزوميات، وجامع الأوزان، وكتبه الأخرى.

وهو " في شرحه لآثار المعري " ناقد، دقيق الفهم، صافي الحس، وقد أعانه هذا، وما له من غزواة الحفظ، وسعة الإطلاع، وتحققه في علوم الفلسفة، والمنطق، وغيرهما، من فهم أغراض أبي العلاء، وإدراك خفي معانيه، وكذلك كان عوناً له في دقة الموازنة، وسلامة المقارنة، وفي تتبعه للمعنى، حتى يدرك أول من قاله، ونبه عليه، وفي تعقبه لأصل الخاطر، فلا يدعه حتى يصل إلى مبتدعه.

[نبذة من آراء القدماء والمحدثين في ابن السيد]

قال الفتح ابن خاقان في شيخه الفقيه الأجل، أبي محمد عبد الله بن السيد أدام الله علوه وتاج مفرقه، وهلال أفقه، ومهب نفخ صواره ومحلي أنواره ومجلي أنجاده وأغواره ما نصه " إنه ضارب قداح العلوم، ومجيلها، وغرة أيامنا البهيمة، وتججيلها، لو أدركه قيس، لماقاضي للحام وترا ولا شفعا، ولو عاصره ابن العاصي، لما ادعى ضراً ولا نفعاً، حلب الدهر أشرطه، وتلا حروفه وأسطره، وخدم الرياضيات، وعلم طرق السياسات ونفق وكسد، ووقف، وتوسد، وهو اليوم شيخ المعارف، وإمامها، ومن في يديه مقودها وزمامها، لديه تنشد ضوال الأعراب، وتوجد شوارد اللغات والإعراب، إلى مقطع دمث، ومنزع في النفاسية غير منتكث، وندى خرف به العوائد، وأورق عموده في يد الرائد، وعفاف كف حتى عن الطيف، ومكي المحرمين بالخيف، ولقد نزلت منه بالتقي الطاهر، ولقيت منه ما لقى عوف ابن محلم من ابن طاهر، ورأيت نار مكارمه تتألق وبت كأنما على النار الندى والمحلق، وله تحقق بالعلوم الحديثة والقديمة، وتصرف في طرقها المستقيمة، ما خرج بمعرفتها عن مضمار شرع، ولا نكب عن أصل للسنة ولا فرع، وتواليفه في الشروحات وغيرها صنوف، وهي اليوم في آذان الأيام شنوف، فمنها " المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس " و " الاقتضاب في شرح أدب الكتاب " وكتاب " التنبيه على السبب الموجب لاختلاف العلماء في اعتقاداتهم، وآرائهم، وسائر أغراضهم، وأنحائهم، وغير ذلك.

وقال فيه، تلميذه الآخر، وهو ابن بشكوا ل: " وكان عالماً بالآداب، واللغات مستبحراً فيهما، مقدما في معرقتهما واتقانهما، يجمع الناس إليه، ويقرؤن عليه ويقتبسون منه، وكان حسن التعليم، جيد التلقين، ثقة، ضابطاً، وألف كتبا حساناً ".

وقال الضبي صاحب بغية الملتمس " أبو محمد البطليوسى ... إمام في اللغة، والآداب، سابق، مبرز، وتواليفه دالة على رسوخه واتساعه، ونفوذه، وامتداد باعه، ... وكان ثقة، مأموناً على قيد، وروى، ونقل، وضبط ".

ويقول السيوطي في بغية الوعاة: " كان عالماً باللغات والأداب، متبحراً فيهما انتصب لإقراء علوم النحو، واجتمع إليه الناسُ، وله يد في العلوم القديمة ".

ويقول ابن خلكان، بعد أن نقل قول ابن بشكوال، وذكر تصانيفه واثنى عليهما: " وبالجملة، فكل شيء يتكلم فيه، فهو في غاية الجودة، وله نظم حسن ".

وقال في المغرب: " أبو محمد عبد الله بن السيد، أحد من تفخر به جزيرة الأندلس من علماء العربية ".

وقال الأستاذ الكبير، حامد عبد المجيد، في بداية مقدمة الانتصار: " ابن السيد البطييوسى، إمام من أئمة النحو واللغة، وعلم من أعلام الأدب، وصورة صادقة للعقل الخصب، والتفكير الناضج. أديب، عالم لديه مواهب الأديب، ومنح صفات العالم المحقق، شخصية متعددة النواحي، مختلفة الجوانب، فهو نحوي لغوي، فقيه عالم. أديب شاعر، له تحقق بالعلوم الحديثة والقديمة، ومشاركة في علوم الفلسفة والمنطق، وعلم الهيئة، وغير ذلك ".

وإذا كانت آثار الإنسان تدل على شخصيته ونفسيته، مواهبه، وتكوين مزاجه، فان ما خلقه هذا الأديب العالم، من بدائع التأليف، لتدلنا على أن ابن السيد رحمة الله - كان واسع الاطلاع، غزير الحفظ، صافي الطبع، صائب الرأي، بارع الحكم، واضح البرهان، ومثل هذه الشخصية، خليقة بالبحث والدروس، جديرة بالعناية والاهتمام ".

<<  <   >  >>