للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما ننكر من هذا الرجل - وفقنا الله وإياه إلى صالح العمل - أنه تعسف، وما أنصف، وجاء في المعرضة والخلاف بأشياء، ن استطر فتها غاية الاستطراف، وذلك أنه وجد أبياتا، أفسدها ناسخ الديوان، بالزيادة والنقصان، فعادت مكسورة الأوزان، ونبت العين فيها من الشين، فنبه عليها في طور الكتاب، وبين فيها وجه الصواب، كأنه توهم - غفا الله عنه - أننا من الطبقة التي لا تقيم وزن الشعر، ولا تحسن شيئاً من النظم والنثر. وكذلك وجد لحنا من الناسخ في بعض الأحرف، فظنه من قبل المؤلف المصنف، فتفضل بأن عليه في طور الكتاب، فجعلنا عنده في مرتبة من لا يقيم وزن الشعر، ولا يحسن الإعراب ".

وابن العربي هذا، كابن السيد، من المغاربة، المعجبين بشعر أبى العلاء، المولعين بقرائته، وحفظه، ودراسته، إلا أنه يمتاز برحلته إلى المشرق، ورواية شعر المعري عن أعلام الشرق مباشرة. فانه قد تلمذ على أبى زكرياء التبريزي، من تلاميذ المعري، المختصين به. أما ابن السيد، فانه لم يرحل إلى المشرق، وإنما أخذ شعر المعري عن أبى الفضل البغدادي الوافد على أهل الأندلس وغيره.

وكانت رحلة ابن العربي إلى المشرق سنة ٤٨٥ هـ. وهو لم يتجاوز السابعة عشر من عمره. ثم انصرف 'لى الأندلس، سنة ٤٩٣ هـ. بعد أن أخذ، وسمع، وجمع، فأوعى، من المعارف، وأصبح من المتخصصين في شعر أبى العلاء المعري. وعندما عادة إلى بلاده، وقع في يده شرح سقط الزند لابن السيد، فأخذ عليه، واعترض.

والبطليوسى رحمة الله، في هذا الكتاب، لا يرد مآخذ ابن العربي فحسب، وإنما يظهر أخطاءه، ويبين أغلاطه، وهو فر رده غزير الحفظ، واسع الاطلاع، جم المعرفة، متمكن في علم النحو، فلا يخفي عليه الدقائق، وقد ظهر أثر ذلك في كثرة استشهاده بشعر القدماء، وفي التنظير بين أبيات العمري، بعضها ببعض، وفي الموازنة والمقابلة بين شعر المعري، وغيره من الشعراء، وهو قد درس شعر أبي العلاء في أكثر من نسخة، كما يقول، وكذلك فانه ملم بما غير المعري من ألفاظ شعره في أخريات حياته، وكان كثير النص عليها، والإشارة إليها.

وللكتاب ست نسخ، مخطوطة محفوظة في شتى مكتبات العالم، وقد سرد ذكرها الدكتور حامد عبد المجيد في مقدمته للانتصار، حيث فصل القول عن حياة ابن السيد ومؤلفاته.

[٤ - كتاب الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة]

وهذا الكتاب قد قام بتحقيقه الأستاذ محمد زاهد بن الحسن الكوثري، وكيل المشيخة الإسلامية في العثمانية وصححه، وعرق به، وترجم لمؤلفاته، ونشره السيد عزت العطار الحسيني، مدير مكتب نشر الثقافة الإسلامية، من القاهرة سنة ١٣٦٥ هـ ١٩٤٦ م.

والكتاب يشتمل على بعض المشاكل الفلسفية الغامضة العويصة، التي حارت فيها العقول والأذهان، وكان ابن السيد قد سئل عنها، فرد عليها، وهي ثمانية مسائل كما ذكرها في مقدمته قائلاً " سألتنى..عن معنى قول الحكماء، أن ترتيب الموجودات، عن السبب الأول، يحكى دائرة وهمية، تبدأ من نقطة، وترجع إليها، ومرجعها في صورة الإنسان، وعن قولهم إن الإنسان، تبلغ ذاته، بعد مماته إلى حيث يبلغ علمه في حياته. وأن علمه يحكى أيضا دائرة وهمية. وعن قولهم، إن في قوة العقل الجزئي أن يتصور بصورة العقل الكلي. وعن قولهم إن العدد دائرة وهمية كدائرة الأحاد والعشرات، ودائرة المئات والألوف. وعن قولهم، إن صفات الباري تعالى، لا يصح أن يوصف بها، إلا على طريق السلب. وعن قولهم إن الباري تعالى لا يعرف إلا نفسه. وما البرهان على بقاء النفس الناطقة بعد الموت ".

وأما مدى نجاح ابن السيد رحمة الله، وتوفيقه في الإجابة عن هذه المطالب، ضيقة المسالك، ويرد عليها، فناهيك ما قاله المحقق العلامة في تعريفه بالكتاب ومؤلفاته: " وقد أجاب المؤلف في هذا الكتاب عن تلك الأسئلة العويصة، إجابة خبير بتلك المضائق، بصير بوجوده كشف الحقائق. وسعى في أن لا يحيد في بيانه وتيد شعره عن حدود شرع الله بقدر ما استطاع، ولمباحثه صلة وثيقة بمباحث اللمعه، وقد أجاد في بيان آراء الفلاسفة في تلك المطالب ".

٥ - التنبيه على الأسباب الموجبة لاختلاف الأمة

<<  <   >  >>