للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان المبرد من العلماء الذين اشتهروا، ووصل صيتهم، وشهرتهم إلى الأندلس في حياتهم، فتوجه إليهم المغاربة يقصدونهم، ويفدون عليهم للسماع، والرواية، والتحصيل. وقد أحتفظ التأريخ ببعض أسماء العلماء الأندلسيين الذين رحلوا إلى الشرق لطلب، والتحصيل، وتلمذوا على المبرد، وقرأوا عليه، وسمعوا عنه، وأخذوا منه، ومنهم قاسم بن أضبغ بن محمد بن يوسف، أبو محمد البياني، وكان من مدينة بيانة من أعمال قرطبة، وأصل سلفه من موالي الوليد بن عبد الملك، وكانت رحلته إلى المشرق في سنة ٢٧٤هـ، فدخل العراق وزار مراكزها العلمية، وروى عن علمائها. وكان قد سمع من المبرد مؤلفاته، كما أنه سمع من أبي محمد أبن قتيبة، وآخرين من العلماء الأعلام، إلا أن المصادر لا تصرح ما هي مؤلفات المبرد التي سمعها منه؟ هل كان من بينها الكامل؟ وأغلب الظن: نعم! وذلك لأنه، هو خير مؤلفات المبرد، وأحسنها، وأغرزها مادة، وفيه من المعلومات التي لاغناء عنها لأحد، والتي يحتاج إليها صاحب كل علم وفن من التأريخ، والحديث، والأنساب والأخبار، والمغازى، والأدب، واللغة، وغريها. ولا يمكن لأندلسي يحضر درس المبرد فلا يأخذ عنه الكامل.

ومن الأسباب التي عرف بها المبرد بالأندلس، وأشتهر بها، فاستاق الناس إلى رؤيته والسماع عنه بعض تلاميذه من المشارقة الوافدين على الأندلس الحاملين معهم معارف المشارقة ومؤلفاتهم، ومنهم أبو اليسر إبراهيم بن أحمد الشيباني البغدادي، المعروف بالرياضي، المتوفى بالقيروان سنة ٢٩٨هـ. وكان له سماع ببغداد من دجلة المحدثين والفقهاء، والنحويين، ومن بينهم الجاحظ، وأبن قتيبة، وثعلب، والمبرد وكان قد قضى معظم حياته في إفريقية، ودخل الأندلس والصقلية. وممن روى عنه من الأندلسيين، أبو سعيد عثمان بن سعيد مولى زيادة الله أبن الأغلب.

إلا أن كتب التراجم والمصادر التأريخية الأندلسية قد نصت على أن أول من أدخل كتاب الكامل إلى الأندلس هو محمد بن أبي علاقة البواب القرطربي " المتوفى ٣٢٥هـ " وسعيد بن جابر الأشبيلي " المتوفى ٣٦٢ هـ " فقام الرجلان بتدريس الكتاب، وروايته ونشره في البلاد الأندلسية، وهكذا أتصل سند المغاربة بالمشرق في رواية الكامل. وقد قيل إن أبن الأحمر القرشي كان قد أدخله الأندلس ورواه بها، إلا أن كتابه قد ضاع، وسلسلة روايته قد انقطعت، فالفضل في نقل الكامل إلى الأندلس وانتشاره بها، يعود إلى أبن جابر وأبن أبي علاقة.

وأشهر الطرق في رواية الكامل عند الأندلسيين أربعة وهي:

[١ - الطريقة الأولى]

وهي طريقة محمد بن أبي علاقة البواب القرطبي، وقد كانت له رحلة إلى المشرق، لقى في خلالها جماعة من كبار أهل العلم، والأدب في عواصم الشرق، فأخذه عنهم، وأتصل سنده: منهم أبو إسحاق الزجاج، وأبو بكر أبن الأنباري، وابو الحسن علي بن سليمانالأخفش، وابو عبد الله تفوطية، وسمع من الأخفش الكامل للمبرد، ونسخة الكامل التي كان قد سمعها من الأخفش، والتي كانت عنده، وكان يروى عنها لتلاميذه كانت قد صارت في ملك المستنصر بالله الحكم بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة الأموي الأندلسي المتوفى سنة ٣٦٦ هـ. وكان المستنصر يقول: " لم يصح كتاب الكامل عندنا برواية إلا من قبل أبن أبي علاقة ".

٢ - الطريقة الثانية

<<  <   >  >>