للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما هُوَ فقد تزهد فَلبس الكلتم وَاعْتَكف فِي الْبَيْت وَكَانَ قوته نصف من من خبز الشّعير لَا يَأْكُل غَيره وَقد سَمِعت أَن بَاب سرايه مَفْتُوح دَائِما وَأَن نوابه وملازميه يدبرون أَمر الْمَدِينَة وَلَا يرجعُونَ إِلَيْهِ إِلَّا فِي الْأُمُور الهامة وَهُوَ لَا يمْنَع نعْمَته أحدا يَصُوم الدَّهْر وَيقوم اللَّيْل وَلَا يشغل نَفسه مُطلقًا بِأَمْر دُنْيَوِيّ وَقد سما المعري فِي الشّعْر وَالْأَدب إِلَى حد أَن أفاضل الشَّام وَالْمغْرب وَالْعراق يقرونَ بِأَنَّهُ لم يكن من يدانيه فِي هَذَا الْعَصْر وَلَا يكون وَقد وضع كتابا سَمَّاهُ الفضول والغايات ذكر بِهِ كَلِمَات مرموزة وأمثالا فِي لفظ فصيح عَجِيب بِحَيْثُ لَا يقف النَّاس إِلَّا على قَلِيل مِنْهُ وَلَا يفهمهُ إِلَّا من يقرأه عَلَيْهِ وَقد اتَّهَمُوهُ بأنك وضعت هَذَا الْكتاب مُعَارضَة لِلْقُرْآنِ يجلس حوله دَائِما أَكثر من مِائَتي رجل يحْضرُون من الْأَطْرَاف يقرءُون عَلَيْهِ الْأَدَب وَالشعر وَسمعت أَن لَهُ أَكثر من مائَة ألف بَيت شعر سَأَلَهُ رجل لم تعط النَّاس مَا أَفَاء الله تبَارك وَتَعَالَى عَلَيْك من وافر النعم وَلَا تقوت نَفسك فَأجَاب إِنِّي لَا أملك أَكثر مِمَّا يُقيم أودي وَكَانَ هَذَا الرجل حَيا وَأَنا هُنَاكَ

وَفِي الْخَامِس عشر من رَجَب سنة ٣٣ {١٥ يناير ١٠٤٧) سرنا إِلَى كويمات وَمِنْهَا إِلَى حما وَهَذِه الْمَدِينَة جميلَة عامرة على شاطىء نهر العَاصِي وَيُسمى هَذَا النَّهر بالعاصي لِأَنَّهُ يذهب إِلَى بِلَاد الرّوم فَهُوَ يخرج من بِلَاد الْإِسْلَام ليدْخل بِلَاد الْكفْر وَقد نصبوا عَلَيْهِ سواقي كَثِيرَة وَمن حما طَرِيقَانِ أَحدهمَا بِجَانِب السَّاحِل غرب الشَّام وَالْآخر فِي الْجنُوب وَهُوَ يَنْتَهِي إِلَى دمشق فسرنا عَن طَرِيق السَّاحِل وَقد رَأينَا فِي الْجَبَل عينا قيل إِن ماءها يتفجر فِي الثَّلَاثَة أَيَّام التالية لنصف شعْبَان من كل سنة ثمَّ ينضب فَلَا تخرج مِنْهُ قَطْرَة وَاحِدَة حَتَّى السّنة التالية وَيذْهب الكثيرون

<<  <   >  >>