للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَهله وان شِئْت السَّبَب الْحَامِل على ذَلِك فَاعْلَم انه كَانَ لجَمِيع الْمدَارِس الْمَوْجُودَة فِي هَذَا الْكتاب وَغَيرهَا شَأْن عَظِيم فَمَا من مدرسة إِلَّا وَقد كَانَ بهَا من الطّلبَة المشتغلين بِالْعلمِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَا تضيق الْمدرسَة عَن سكناهم لكثرتهم وَبِكُل وَاحِدَة مِنْهَا دَار لنفائس الْكتب وَمثل ذَلِك كَانَ فِي الترب الَّتِي سنذكرها ثمَّ انه كَانَ لكل مدرسة مدرس خصوصي ينتخب من الأفاضل الْكِبَار وَكَانَ لهَؤُلَاء المدرسين مواعيد فَإِذا كَانَ يَوْم ميعاد مدرسة جلس الْمدرس فِي مَوضِع الميعاد وأحدق بِهِ غَالب الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء فيذكر مَسْأَلَة وَيَأْخُذ فِي تفصيلها وَبَيَان دلائلها ويشاركه الْعلمَاء فِي الْبَحْث على طَرِيقه فن الجدل وَيتَكَلَّم الْوَاحِد مِنْهُم بِمَا عِنْده وتطول ذيول المناظرة وَيَأْخُذ الْحَنَفِيّ مثلا فِي الِانْتِصَار لقَوْل إِمَامه فيعارضه الشَّافِعِي مدليا بحجته ويشاركهما الْمَالِكِي والحنبلي والظاهري والنحوي والمنطقي والبليغ وَإِذا كَانَ ثمَّ أحد من الْعلمَاء غَرِيبا أَخذ فِي المذاكرة مَعَهم وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى فرَاغ الميعاد ثمَّ ينقلون فِيمَا بعد إِلَى ميعاد ثَان فِي مدرسة ثَانِيَة وحرصا على أَن لَا يغلب الْمدرس على أمره من أحد غَرِيب كَانَ المتميزون فِي الْعلم يَجْلِسُونَ إِلَى يَمِينه وشماله ليكونوا عونا لَهُ إِذا سُئِلَ وَلم يستحضر جَوَابا ثمَّ درست فِي أيامنا تِلْكَ الْعَادة وَلم يبْق سوى بعض من الدُّرُوس هِيَ على مقتضي الرسوم وَصورتهَا أَن يكون الْمدرس قد حفظ كليمات عَن ظهر قلبه فَإِذا كَانَت سَاعَة الميعاد جلس متصدرا وَجلسَ الْعلمَاء والأمراء عَن يَمِينه وشماله افتخارا ثمَّ شرع كالهر يَحْكِي انتفاخا صُورَة الْأسد فَيقْرَأ ذُو صَوت رخيم حزبا من الْقُرْآن ثمَّ يقْرَأ المعيد عبارَة الْكتاب ثمَّ يسْرد الْمدرس مَا كَانَ يحفظه وَلَا سَائل ثمَّ وَلَا مسؤول فَإِذا وجد أحد غَرِيب وَسَأَلَ مَسْأَلَة انتهره الْحَاضِرُونَ وأسكتوه فَهَكَذَا كَانَ شَأْن الْعلم وَهَذَا شَأْنه فِي أيامنا فَإِذا رَأَيْت سرد أَسمَاء المدرسين فَتذكر السَّبَب وَاعْلَم انهم جَلَسُوا عَن اسْتِحْقَاق وَعلم وَاسع واطلاع كَبِير

وَمن بعض حوادث الشامية مَا حَكَاهُ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي الذيل قَالَ ولي القَاضِي سري الدّين تدريس الشامية البرانية والجوانية واستمرتا بِيَدِهِ مَعَ أَن الشَّيْخ فتح الدّين ابْن الشَّهِيد وليهما بمرسوم سلطاني فَلم تحصل لَهُ وباشر الْأَوْقَاف بهمة وَقُوَّة نفس وحشمة وكرم والقضاة واعيان الْفُقَهَاء وَغَيرهم كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ لما كَانَت فتْنَة تيمورلنك افْتقر وَسَاءَتْ

<<  <   >  >>