للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحُكَمَاء فِي تَرْجَمَة اسقلبيوس الْحَكِيم كلَاما طَويلا فِي شَأْن أولية الطِّبّ فمخضنا زبدته واثبتنا نتيجته واليك ذَلِك

إِن الْكَلَام فِي الأوليات عُمُوما وَفِي أولية الطِّبّ وَمن أحدثه وَفِي أَي زمن وجد عسر جدا وَذَلِكَ أَن الَّذين يَقُولُونَ بقدم الْعَالم يَقُولُونَ أَن الطِّبّ قديم بقدم الْعَالم لَان الطِّبّ ملازم للْإنْسَان فِي حَالَة وجوده وَالْإِنْسَان قديم فالطب قديم والفرقة الْأُخْرَى الَّتِي تعتقد حُدُوث الْأَجْسَام تَقول الطِّبّ مُحدث لَان الْأَجْسَام الَّتِي يسْتَعْمل فِيهَا الطِّبّ محدثة واصحاب الْحُدُوث ينقسمون فِي القَوْل الي قسمَيْنِ فالقسم الْوَاحِد يَقُول أَن الطِّبّ خلق مَعَ الْإِنْسَان إِذْ كَانَ من الْأَشْيَاء الَّتِي بهَا صَلَاحه وَبَعْضهمْ يَقُول أَن الطِّبّ خلق بعد خلق الْإِنْسَان وَأجَاب هَؤُلَاءِ عَن قَول بعض الْحُكَمَاء أَن اسقلبيوس هُوَ مخترع الطِّبّ بِأَن حَدِيثه لَيْسَ إِلَّا على سَبِيل السمر هَذَا مَعَ إِجْمَاع الْأَطِبَّاء الأول على انه أول من استخرج الطِّبّ واستنبطه وَقَالُوا جَاءَهُ الطِّبّ على لِسَان الْوَحْي فَأَما حصر زَمَانه وزمان من جَاءَ بعده فقد ذكرُوا من عدَّة السنين مِمَّا بَينه وَبَين جالينوس مَا يزِيد على خَمْسَة آلَاف سنة فَهَذَا يدل على انه كَانَ قبل الطوفان وكل مَا هُوَ قبل الطوفان لم تعلم حَقِيقَته لعدم الْمخبر بِهِ على الْوَجْه الصَّحِيح على ان جالينوس قَالَ فِي تَفْسِير كتاب العهود لابقراط الَّذِي يتناهى إِلَيْنَا من قصَّة اسقلبيوس قَولَانِ أَحدهمَا لغز وَالْآخر طبيعي أما اللغز فَيذْهب فِيهِ الى انه قُوَّة من قوى الله تَعَالَى واشتق لهَذَا الِاسْم من فعلهَا وَهُوَ منع اليبس وَزعم ابْن جلجل انه كَانَ تلميذا لهرمس الْمصْرِيّ وَذكر ابقراط فِي كتاب إيمَانه وَعَهده ان هَذَا الِاسْم فِي لِسَان اليونانيين مُشْتَقّ من الْبَهَاء والنور والطب صناعَة اسقلبيوس يَعْنِي لَا يجب تعاطيها الا لمن كَانَ على الطَّهَارَة العفاف والتقى وانه لَا يجب ان يعلم للاشرار وَلَا لِذَوي الانفس الخبيثة وَإِنَّمَا يجب ان يتعلمها الاشراف والمتألهون العارفون بِاللَّه ثمَّ إِن الْأَوَّلين مُنْذُ نشأة الطِّبّ كَانَ بَينهم العهود والمواثيق ان لَا يعلمُوا صناعَة الطِّبّ غَرِيبا وَحكى القفطي فِي تَرْجَمَة بقراط اَوْ ابقراط ان الطِّبّ كَانَ استنباطه بالتجربة وَذَلِكَ ان امْرَأَة ابْتليت بِضعْف الْمعدة وامتلاء الصَّدْر بالاخلاط فاتفق أَن أكلت الرَّأْس بِشَهْوَة منهالة فَذهب وجعها وَرجعت الى صِحَّتهَا وَكَانَت من اهل مصر فانتبهوا لذَلِك واقبلوا على فن الطِّبّ بالتجارب وَذكر هَذَا اسحاق بن حنين فِي تَارِيخه انْتهى

قلت وَمثل هَذَا هُوَ الصَّوَاب لَان فن الطِّبّ الى الْآن وَلم يزل يتَقَدَّم بالتجربة

<<  <   >  >>