للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعلى صِحَة هَاتين الحكايتين وَسبق الاولى الثَّانِيَة يكون بِنَاء هَذ الهيكل أَيَّام كَانَت اليونان مالكة لسوريا وأيا مَا كَانَ فان المؤرخ لَا يطْمع فِي أَن يعرف الزَّمن الَّذِي انشئت فِيهِ دمشق وَأسسَ جَامعهَا وكل مَا يُقَال فِيهِ فَأَنَّهُ تخرصات وأوهام لَا يقف صَاحبهَا على حَقِيقَة وَغَايَة أمرنَا هُنَا أَن نذْكر تَارِيخ جعله جَامعا على أَن ذَلِك التَّارِيخ أَيْضا يحار فِيهِ النَّاظر فَلَا يقدر أَن يفرق بَين الصَّحِيح وَغَيره لما تغشاه من المبالغات كَمَا هُوَ شَأْن كتب التَّارِيخ عندنَا حَتَّى أَنهم أوصدوا أَمر هَذَا الْجَامِع الى مَا وَرَاء الْعُقُول وَذَلِكَ لأَنهم ينقلون كل خبر يسمعونه ثمَّ لَا يحكمون عُقُولهمْ فِي التَّفْرِقَة بَين جيده وردئيه وَلَو أخذت أذكر جَمِيع مَا قَالَه المؤرخون عَنهُ لَكَانَ موضوعنا هزءا عِنْد أهل زَمَاننَا لِأَن التَّارِيخ عِنْدهم لبس ثوبا غير ثَوْبه الأول فَأَسَّسَ على التَّحْقِيق والتدقيق لَا على التَّسْلِيم بقول الْقَائِل أيا مَا كَانَ فَلذَلِك أضربت عَن كثير مِمَّا ذكره ابْن عَسَاكِر وَغَيره من أضرابه واكتفيت بِمَا ترَاهُ وسأمهد لعذري شذرة مِمَّا قيل ليعلم الْمطَالع مَا كَانَ عَلَيْهِ بعض الْقَوْم فقد قَالَ يَا قوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ لَو عَاشَ الانسان ألف سنة وَجعل يتَرَدَّد كل يَوْم من ايأمها إِلَى الْجَامِع لَكَانَ يرى فِي الْيَوْم مَا لَا يرَاهُ بأمسه فَتَأمل هَذِه الْمُبَالغَة الَّتِي دونهَا قَول المتنبي

(وأخفت أهل الشّرك حَتَّى أَنه ... لتخافك النُّطْق الَّتِي لم تخلق)

وَمثل هَذَا كثير فَاعْلَم ذَلِك واليك مَا نروية مَنْسُوبا لقائله

قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر تَارِيخ الاسلام ان الْوَلِيد بن عبد الْملك هُوَ الَّذِي بنى جَامع دمشق أَيَّام سلطنتة ورخرفه وَكَانَ نصفه الغربي كَنِيسَة لِلنَّصَارَى وَالنّصف الآخر مَسْجِدا للْمُسلمين فأرضى الْوَلِيد النَّصَارَى بعدة كنائس صَالحهمْ عَلَيْهَا ثمَّ هَدمه الا حيطانه الْأَرْبَعَة وَأَنْشَأَ قبَّة النسْر والقناطر وحلاه بِالذَّهَب والجواهر وستور الْحَرِير وَبَقِي الْعَمَل فِيهِ تسع سِنِين وَأنْفق عَلَيْهِ الاموال الْعَظِيمَة حَتَّى جعله نزهة للناظرين انْتهى وَكَانَ الِابْتِدَاء بِهِ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَفِي كتاب فتوح الْبلدَانِ للبلاذري ان الْوَلِيد لما أَرَادَ هدم الْكَنِيسَة قَالَ بعض النَّصَارَى أَن لَهَا شَأْنًا عَظِيما فَمن هدمها جن أَو أَصَابَته عاهة فحنق من قَوْلهم ودعا بمعول فأخذة بِيَدِهِ وَأخذ يهدم الْحِيطَان فاقتدى بِهِ الفعلة وَلم يصب اُحْدُ مِنْهُم بِسوء وَقَالَ الْأَكْفَانِيِّ بعد أَن روى هَذِه الْحِكَايَة أَن الْوَلِيد لما سمع مقالتهم أَتَى بسلم فنصبه على محراب المذبح وَصعد وَضرب بِيَدِهِ المذبح حَتَّى أثر فِيهِ ثرا كَبِيرا وَقَالَ أَيْضا ان الْوَلِيد اغتم يَوْمًا

<<  <   >  >>