للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دعا محمد بن عبد الله بن طاهر رجلٌ من أصحابه دعوة تقدَّم بها واحتفل فيها، فلما حضر محمد طالبه بالطعام فمطله، ليتلاحق ويتكامل، على ما أَحبّه من الكثرة والاحتفال، حتى تصرم أكثر النهار ومس محمداً الجوعُ، وتنغص عليه يومه، فشرب عنده أقداحاً، وانصرف وأراد بعد ذلك محمد سفراً فشيعه هذا الرجل، فلما دنا منه ليودعه قال: أيأمر الأمير بشيء، قال: نعم، اجعل طريقك في عودتك على محمد بن الحارث بن بسخنر فسله أن يعلمك الفتوة. فمضى حتى دخل على محمد بغتةً وقال: بعثني الأمير إليك لتعلمني الفتوة، فضحك وقال: يا غلام هات ما حضر، فجيء بطبق كبير عليه ثلاثة أرغفة من أنظف الخبز، وثلاث سكرجات من خلّ وملح من أجود ما يتخذ من هذه الأصناف، فأبتدأ يأكل فجاءته فضلة باردة من مطبخه، وتداركها الطباخ بطباهجة، ثم وافاه من منزل حرمه فضلة أخرى، وأهدى إليه بعض غلمانه جام حلوى فانتظم له أمر خفيف ظريف في زمانٍ يسير بغير إحشام ولا انتظار، إلى أن أدرك الطعام وأخذ في الشراب، فقال له: إذا دعوت أحداً من إخوانك، فليكن هكذا عملك، ولا تنتظر استكمال الطعام.

وأفطر الواثق في يوم شك فأفطروا فكتب الحسن بن رجاء إلى الحسين بن الضحاك:

هززتك للصبوح وقد نهانا ... أمير المؤمنين عن الصيام

وعندي من قيان القصر عشرٌ ... يطيب بهنَّ إعمال المدام

فكن أنت الجواب فليس عندي ... أحبّ إلي من حذف الكلام

قال، فوافق رسوله حُسيناً وقد وردت عليه رقعة محمد بن الحارث بن بُسخُنَّر النديم وقد أنفذها مع غلام له وضيء الوجه كان يتخطاه ومعه غلمةٌ له أقران وقد جعل الرقعة كالمنشور الذي يكتبه السلطان، وختمها في أسفلها، وكتب فيها:

سر على اسم الله يا أكمل من غصن لُجينِ

في بدورٍ من بني الروم إلى باب الحسين

فاحمل الكلَّ إلى مولاك يا قُرةَ عيني

أره العنف وطالبه إن استعفى بدين

واحذر الرجعة من وجهك في خفي حنينِ

قال: فوثب مع غلام محمد بن الحارث وكتب إلى الحسن بن رجاء

دعوت إلى مدافعة الصيام ... بإعمال الملاهي والمدام

ولو سبق الرسول لكان سبقي ... إليك ينوب عن كل الكلام

وما شوقي إليك بدون شوقي ... إلى عهد التصابي والغرامِ

ولكن سار في نفرٍ إلينا ... على عجلٍ حبيبُ المستهام

فأزعجني بألفاظٍ عذابٍ ... وقد أعطيته طرفي زمامي

ولو خالفته لوردت حتفي ... وعممني بمصقولٍ حُسام

ودخل آدم يوماً على يعقوب بن الربيع وعنده قوم يشربون فرفعوا ما كان بين أيديهم، فلما دخل رأى في وجوههم أثر النبيذ وشم رائحته، فقال: إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون، فضحكوا، وأخرجوا شرابهم وشرب معهم.

أخبار الشعراء والمجان

<<  <   >  >>