للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كم من مضيعٍ لذةً قد أمكنت ... لغدٍ، وليس غدٌ له بمواتي

حتى إذا فاتت وفات طلابُها ... ذهبت عليه نفسه حسراتِ

ابن المعتز:

ألا فاسقياني قبل أغبرَ مظلمٍ ... بعيدٍ من الخِلاَّنِ من هو نازلُهْ

رأيت الفتى إن مات يورث مالُهُ ... وتنكح أزواجاً سواد حلائله

ذران أنعم في الحياة معيشتي ... وآكل مالي قبل من هو آكلهْ

محمد بن أُمية:

أما ترى اليوم قد رقَّت حواشيهِ ... وقد دعاك إلى اللذات داعيهِ

وجاد بالقطر حتى خلتَ أن له ... إلفاً نآه فما ينفك يبكيه

فبادِر اللهو واغنم طيبَ ساعته ... فإن للدجن ديناً يَقتضِنِيهِ

وقال آخر:

اعصِ من لامكَ في الشُّرب تعِش عيشاً لذيذاً

ليس من عمرك يومٌ ... لم تذق فيه نبيذا

وقال آخر:

ومن عَرَفَ الأيام لم يغترر بها ... وباكَرَ باللذات قبل العوائقِ

بحمراءَ قبل المزج، صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجسٍ وشقائقَ

حكت وجنة المعشوق صرفاً فسلَّطوا ... عليها شعاعاً فاكتست لون عاشِقِ

عبد الوهاب:

كن عن العَذلِ ذا صَمَمْ ... وانف عن نفسِك النَّدم

واقطع الدهر بالسرو ... ر على رغم من رغم

فالذي تتقي وترجوه قد خطَّهُ القلمْ

ذكر ما جاء في المنادَمَة

قالوا: اشتقاقُ النديم من النَّدم لأنه يُندم على فراقه، وقد فخر امرؤ القيس مع شرفه وملكه فقال:

ونادمت " قيصر " في ملكِهِ ... فأوجهني وركبت البريدا

وقالت الخِرنِق بنت بدر التغلبية ترثي بشرَ بن عمرو زوجها وبنيها، وكانت العرب لا ترثي إلاَّ بأفضل الأشياءِ وأرفعها:

فكم بعُلاه من أوصالِ خرقٍ ... أخي ثقةٍ وجمجمةٍ فليق

ندامى للملوك إذا لقوهم ... حُبوا وسُقوا بكاسات الرحيقِ

وقوالوا: لسان الملك كاتبه، ووجهه حاجبه، وجليسه كلّه، وقالوا: إذا وليت عملاً فانظر من كاتبك، فإنما يعلم مقدارك من بعد عنك بكاتبك، وأنظر حاجبك، فإنما يقضي عليك الوفود قبل الوصول إليك بحاجبك، واستكرم نديمك وجليسك، فإنما يزنك الداخل عليك بمثقال من يراه معك، وقال رسول الله (ص) : المرءُ على دين خليله فلينظر أحدٌ من يخالِل.

وقال طرفة:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرينٍ بالمقارنِ مقتدي

وفاخر كاتبٌ نديماً، فقال الكاتب: أنا معونة وأنت مئونة، وأنا للجد وأنت للهزل، وأنا للشدة وأنت للذَّة، وأنا للحرب وأنت للسلم، فقال النديم: أنا للنعمة وأنت للخدمة، وأنا للحضرة وأنت للمهنة، تقوم وأنا جالس، وتحتشم وأنا مؤانس، تدأب لراحتي وتشقى لما فيه سعادتي، وأنا شريك وأنت مُعين، كما أنك تابع وأنا قرين. وقال بعضهم في فضل النديم:

أرى للكأس حقاً لا أراه ... لغير الكأْس إلا للنديم

هو القطب الذي دارت عليه ... رحى اللذات في الزمن القديم

ولم تفتتح أبيات في مدحِ نديمٍ بأحسن مما ابتدأ به أبو مسهرٍ الطائي:

وندمانٍ يزيد الكأس طيباً ... سَقيْتُ وقد تغوَّرتِ النجومُ

رفعت برأسه وكشفت عنه ... بمعرفةٍ ملامة من يلومُ

فلما أن تنشَّا قام خرق ... من الفتيان مختلقٌ هضيم

إلى وجناء ناجيةٍ فكاست ... وهي العرقوب منها والصميم

فأشبع شربه وجرى عليهم ... بإبريقين كأسهما ردُوم

تراها في الإناء لها حميّا ... كُميتاً مثل ما فقع الأديمُ

فنشرب ما شربنا ثم نصحو ... وليس بجانبي أحدٍ كُلُوم

فبتنا بين ذاك وبين مسكٍ ... فيا عجباً لعيشٍ لو يدوم

نطوِّف ما نطوِّف ثم يأوي ... ذوو الإكثار منا والعديمُ

إلى حفرٍ أسافلهن جوفٌ ... وأعلاهنَّ صُفاحٌ مُقيمُ

<<  <   >  >>