للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قمنا إلى زادٍ لنا مُعَدِّ

وقهوةٍ صرَّاعة للجِدِّ

كأنما حبابها المنشور

كواكب في فلكٍ تدور

ومسمعٍ يلعب بالأوتارِ

أرقّ من نائحة القماري

ذكر ما جاء في ذمِّ الصبوح

قال عمرو بن بحر الجاحظ: سمعت أبا الفاتك قاضيي الفتيان يقول: أنهاكم عن الصَّبوح فإنه لا يصلح إلاَّ لملك مهيب قد كفاه ما وراء بابه، وزراؤه وأعوانه، فإذا اصطبح وأقبل على لهوه ولذته لم يلمه على ذلك لائم، ولا عذله فيه عاذل، وليكن صبوحه أيضاً: وقتٌ بعد أوقات، فإنه إن أدمنه شغله عن النظر في أمور مملكته ولم يأمن سوءَ عاقبته، فأما من دونه من خدمه وطائفته وبطانته فليجتنبه بالجملة، فإنه قد يعرض للملك حاجة إليه وهو على تلك الحال فربَّما كان في ذلك تلف مهجته وذهاب نعمته، فأما دون هؤلاء من أوساط الناس والتجار وأشكالهم والصناع بأيديهم وأمثالهم فإنه مفسدة لأحوالهم، مشغلة عن قوام معايشهم وما يعود بمصالحهم إلا أن يكون في الفلقة والندرة، أو في يوم غيمٍ مطبقٍ وسماءٍ تهطل وزلقٍ ولثقٍ يمنع من التصرف ويقطع عن قضاء الحاجة. وأما الصَّبوح على هذا الوجه فغلط لا معنى له لما يحدث فيه من الآفات وما يجلبه من الهموم التي لا يفي بصغيرها كثير سروره، ولا يقوم محبوبه بدفع محذوره، أول ذلك تفاوت الندماءِ في اجتماعهم للحاجة فتعرض لأحدهم فلا يجد بداً من النظر في قضائها، فإن انتظروه بطعامهم أفسدوه، فإن أكلوا وشربوا دونه، فإذا جاء طلب ما يأكل، فربَّما لم يحضر وقُدِّم إليه طعام لا يوافقه فلم يستوف منه ما يُذهب به عادية الشراب، ثم بادروا إلى سقيه ما فاته حتى يلحق بهم، فإن كان مساعداً شرب ما لا يطيقه وربما ألفى منه ما أكله، وكان شربه مما يحرق كبده ويطيل كمده، وإن كان حَرِجاً متبرماً صار إلى المحاربة، ووقع القوم في قيل وقال حتى ربَّما خرج الأمر إلى العربدة، وقلَّ صبوح سلِمَ أهله من عربدة، ولا بد أن يرقد القاعد ويقوم الراقد فإذا استيقظ النائم طلب معاودة الطعام فلم يتفق له، وإن وجده وانتبه آخر طلب أيضاً طعاماً فيحصل صاحب المنزل وأهله في الحركة والاضطراب، ومقاساة أليم العذاب، ومع منام من نام وبسكر من يسكر، ذهابُ النقل بسرقة الغلمان ونقل الصبيان وشربهم بالصغار والكبار، ةربما ثقل الغلام يده بالجرة الملأى، أو المنتصفة، وربما مدَّ يدَهُ إلى المنديل والأُشنانة والشيء الخفيف الذي يمكنه أخذه. فإن نام المولى وأراد بعضهم المسير إلى منزله منعه الغلام، وحال بينه وبين ثوبه أو خُفِّه أو نعله، وقال: لا أدعك حتى ينتبه مولاي، لأني أخاف سطوته، وقوله: هلاَّ حبسته حتى ينتبه، فيشتم مولاه فإن غلب عليه [و] خلاَّه كان في خروجه الفضيحة، وقال الناس: لعن الله من أخرجه من منزله على مثل هذه الحال، ولم يعرف ما يجب لضيفه عليه، ولا رعى حقه، وفي خلال ذلك التعرِّي في الدار ومغازلة الخادم والتكشف للبول حيث لا ينبغي مع قلة التحفظ من النجاسة وترك الصلوات وإضاعة المفروضات وشعث الشعور ووسخ الجلود وغير ذلك من الآفات التي يطول ذكرها.

<<  <   >  >>