للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَثَانِيا أَن يُقَال مَا يظْهر على يدهم رُبمَا اسْتغنى عَنهُ اكْتِفَاء بعظيم مقدارهم ورؤيتهم طلعة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولزومهم طَرِيق الاسْتقَامَة الذى هُوَ أعظم الْكَرَامَة مَعَ مَا فتح على يديهم من الدُّنْيَا وَلَا اشرأبوا لَهَا وَلَا جنحوا نَحْوهَا وَلَا استزلت وَاحِدًا فرضى الله عَنْهُم كَانَت الدُّنْيَا فى أَيْديهم أَضْعَاف مَا هى فى أيدى أهل دُنْيَانَا وَكَانَ إعراضهم عَنْهَا أَشد إِعْرَاض وَهَذَا من أعظم الكرامات وَلم يكن شوقهم إِلَّا إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَالدُّعَاء إِلَى جنابه جلّ وَعلا

فَإِن قلت هَب أَنكُمْ دفعتم شبه المنكرين للكرامات فَمَا دليلكم أَنْتُم على إِثْبَاتهَا فَإِن القَوْل فى الدّين نفيا وإثباتا مُحْتَاج إِلَى الدَّلِيل

قلت إِذا انْدفع مَا اسْتدلَّ بِهِ الْخُصُوم على الْمَنْع وَبَطلَت الاستحالة لم يبْق بعْدهَا إِلَّا الْجَوَاز إِذْ لَا وَاسِطَة بَين الْمَنْع والاستحالة ثمَّ فِيمَا ذَكرْنَاهُ من الْوَاقِعَات على يَد الصَّحَابَة مقنع لمن لَهُ أدنى بَصِيرَة ثمَّ إِن أَبيت إِلَّا دَلِيلا خَاصّا ليَكُون أقطع للشغب وأنفى للشبه

فَنَقُول الدَّلِيل على ثُبُوت الكرامات وُجُوه

أَحدهَا وَهُوَ أوحدها مَا شاع وذاع بِحَيْثُ لَا يُنكره إِلَّا جَاهِل معاند من أَنْوَاع الكرامات للْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ الجارى مجْرى شجاعة على وسخاء حَاتِم بل إِنْكَار الكرامات أعظم مباهتة فَإِنَّهُ أشهر وَأظْهر وَلَا يعاند فِيهِ إِلَّا من طمس قلبه وَالْعِيَاذ بِاللَّه

والثانى قصَّة مَرْيَم من جِهَة حبلها من غير ذكر وَحُصُول الرطب الطرى من الْجذع الْيَابِس وَحُصُول الرزق عِنْدهَا فى غَيره أَوَانه وَمن غير حُضُور أَسبَابه على مَا أخبر الله تَعَالَى بقوله {كلما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وجد عِنْدهَا رزقا قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله} وهى لم تكن نبية لَا عندنَا وَلَا عِنْد الْخُصُوم

أما عندنَا فلأدلة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة} وَمِنْهَا الْإِجْمَاع على مَا نقل بَعضهم

<<  <  ج: ص:  >  >>