للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولولا ما قدمنا من شرطنا أن لا نضاهي أمثال هذا الكتاب إلا بالشعر تنزيها لكتاب الله عز وجل، لكان ذكر ما أدبنا الله تعالى ذكره به في كتابه، أجمع معنى وأخصر لفظاً وأوجز قولاً وأحضر فائدة وهو قوله تعالى: " " والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " " " الفرقان

٦٧ ". وقوله تعالى: " " ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " " " الاسراء

٢٩ ". وكان ذكر أمثال هذا مما يجري في فصول الكتاب مما ينتفع به كثير من الناس. ولكنا صنا كتاب الله العزيز عن ذلك. وقد ذكرنا كثيراً من هذا الباب مما يجري مجرى المثل ويستعان به في الرسائل والكتب والمخاطبات والخطب وغير ذلك في كتابنا المسمى " " التنبيه على بلاغات القرآن " ". واكتفينا بذلك عن ذكره في هذا المكان ونعود إلى ذكر قول صاحب الكتاب:

٨٢ - قال صاحب الكتاب: ويقال العاقل لايرحم من يخاف والحازم ربما أبعد الرجل الذي ثم أدناه لما يعلم عنده من الغناء والإجزاء فعل المتكاره على الدواء البشع الكريه رجاء منفعته. وربما أحب الرجل الرجل وعزّ عليه ثم يقصيه وينحيه ويهلكه مخافة ضرره؛ فعل الذي تلدغه الحية في بعض أطرافه فيقطع ذلك الطرف مخافة انسراب السم في جسده.

" ١١٨ " قال أبن هبيرة الفزاري لعوف بن علقمة الفزاري وكان في صحبته فرأى منه جفوة فأحدث احداثاً مما أراد بها غيظ عمر بن هبيرة فأتى به فأمر بتكبيله فجعل يذكره بالرحم.

أخفت السبيل ثم تطلب رأفتي ... متى خلتني يا ثكل أمك معزبا

وعرضك البغضاء بعد محية ... فأقتصيت عن عمد وكنت المقربا

فدونك ذق حرّ الذي قد جنيته ... فإنك ذو بعد وإن كنت أقربا

فإني لك المجتاح كفاً بمثلها ... مخافة ذاك السوء أن يتشعبا

" ١١٩ " وقال غيره في هذا المعنى أيضاً:

ألمْ تَرِ أنَّ المرء تدوى يمينهُ ... فيقطعُها عمداً ليسلمَ سائرهُ

فماذا تراه صانعاً بعد كفهِ ... بما ليس منهُ حين تُبلى سرائره

٨٣ - قال صاحب الكتاب: يقال لا ينبغي للعاقل أن يغفل عن علم ما في نفس أهله وولده وإخوانه وأصدقائه في كل لحظة وحركة وكلمة وفي القيام والقعود وفي كل حالة، فإن هذه كلها شواهد لا يخفى معها ما تجنّ له القلوب.

" ١٢٠ " قال زهير بن أبي سلمى:

فلا تُكير على ذي الضغنِ عتباً ... ولا ذكر التجرُّمِ للذنوبِ

ولا تسأله عما سوف يبدو ... ولا عن غيبهِ لك في المغيب

متى تكُ في عدو أو صديق ... تخبرك العُيون عن القُلوبِ

" ١٢١ " ومثل هذا البيت البيت المشهور:

والعين تعرف في عينيْ مُحدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها

٨٤ - قال صاحب الكتاب: ويقال لا يمنعنّ ذا العقل عداوة عدوه من مقاربته وإيناسه إذا طمع منه في دفع مخوف أو في جر مرغوب.

" ١٢٢ " قال عبيد الله بن الحر في يعمر بن خالد الحارثي:

وآنستُهُ والغمرُ في لحظاته ... مُبينٌ وما عندي لهُ مِنه أكثر

لأجترَّ نفعاً أو أُحاول مدفعاً ... لخوفٍ مُلمٍّ منه بالغمرِ يظهرُ

فأدركت ما دبرتُ منه ولم يكن ... ليختلني في مثلها الدَّهرَ يعمرُ

٨٥ - قال صاحب الكتاب: ويقال كثير من المودة ربما تحولت بغضاء وكثير من البغضاء ربما تحول مودة عن حوادث العلل والامور، وذو الرأي يحدث لما يحدث من ذلك رأياً. فمنه ترك الطمع في ما عند العدو واليأس مما عند الصديق.

" ١٢٣ " قال أمية بن أبي الصلت الثقفي "

أفرطت في الحُب حتَّى عاد مبغضة ... وربما عاد حُباً بُغضك الرجُلا

والجزل يحدث للأشياء مُحدثها ... من ذلك الدهرُ إن ريثاً وإن عجلا

تركا لمطمع ما عند العدوِّ إلى ... يأس بما عند ذي ود وإن بذلا

٨٦ - قال صاحب الكتاب: ويقال ليس كل من أسأت إليه ينبغي ان تتخوف غشه وعدوانه وتيأس من نصيحته ومودته، ولكن ينبغي ان تنزل الناس في ذلك منازلهم على اختلاف طبقاتهم فإن منهم من إذا ظفرت بقطيعته فالرأي ان تغتنم ذلك وتمتنع من معاودته ومنهم من لا ينبغي تركه على حال من الأحوال.

<<  <   >  >>