للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ رُبمَا يكْتب الْكتاب المقترح عَلَيْهِ فيبتدئ بآخر سطر مِنْهُ ثمَّ هَلُمَّ جرا إِلَى الأول ويخرجه كأحسن شَيْء وأملحه ويوشح القصيدة الفريدة من قَوْله بالرسالة الشَّرِيفَة من إنشائه فَيقْرَأ من النّظم والنثر ويروي من النثر وَالنّظم وَيُعْطِي القوافي الْكَثِيرَة فيصل بهَا الأبيات الرشيقة ويقترح عَلَيْهِ كل عويص وعسير من النّظم والنثر فيرتجله فِي أسْرع من الطّرف على ريق لَا يبلعه وَنَفس لَا يقطعهُ

وَكَلَامه كُله عَفْو السَّاعَة وفيض البديهة ومسارقة الْقَلَم ومسابقة الْيَد وجمرات الحدة وثمرات الْمدَّة ومجاراة الخاطر للنَّاظِر ومباراة الطَّبْع للسمع وَكَانَ يترجم مَا يقترح عَلَيْهِ من الأبيات الفارسية الْمُشْتَملَة على الْمعَانِي الغربية بالأبيات الْعَرَبيَّة فَيجمع فِيهَا بَين الإبداع والإسراع إِلَى عجائب كَثِيرَة لَا تحصى ولطائف يطول أَن تستقصى

وَكَانَ مَعَ هَذَا كُله مَقْبُول الصُّورَة خَفِيف الرّوح حسن الْعشْرَة ناصع الظّرْف عَظِيم الْخلق شيف النَّفس كريم الْعَهْد خَالص الود حُلْو الصداقة مر الْعَدَاوَة

وَفَارق همذان سنة ثَمَانِينَ وثلثمائة وَهُوَ مقتبل الشبيبة غض الحداثة وَقد درس على أبي الْحُسَيْن بن فَارس وَأخذ عَنهُ جَمِيع مَا عِنْده واستنفد علمه واستنزف بحره وَورد حَضْرَة الصاحب أبي الْقَاسِم فتزود من ثمارها وحس آثارها ثمَّ قدم جرجان وَأقَام بهَا مُدَّة على مداخلة الإسماعيلية والتعيش فِي أَكْنَافهم والاقتباس من أنوارهم واختص بِأبي سعد مُحَمَّد بن مَنْصُور أيده الله تَعَالَى ونفقت بضائعه لَدَيْهِ وتوفر حَظه من عَادَته الْمَعْرُوفَة فِي إسداء الْمَعْرُوف والإفضال على الأفاضل وَلما اسْتَقَرَّتْ عزيمته على قصد نيسابور أَعَانَهُ على حركته وأزاح علله فِي سفرته

فوافاها فِي سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وثلثمائة وَنشر مَا بزه وَأظْهر طرزه

وأملى أَرْبَعمِائَة مقامة نحلهَا أَبَا الْفَتْح الإسكندري فِي الكدية وَغَيرهَا وضمنها مَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين من لفظ أنيق قريب المأخذ بعيد المرام وسجع رشق المطلع والمقطع كسجع الْحمام وجد يروق فَيملك الْقُلُوب وهزل يشوق فيسحر الْعُقُول ثمَّ شجر بَينه

<<  <  ج: ص:  >  >>