للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ ثِقَة متقنا يَسْتَغْنِي بشهرته عَن نعْمَته، وَكَانَ ضيق النَّفَقَة مقترا على نَفسه، وَكَانَ بَينه وَبَين الْمبرد منافرات، فَقيل لَهُ: قد هجاك الْمبرد، فَقَالَ: بِمَاذَا؟ فَقيل: بقوله:

(أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إِلَى الصب)

(لَو أَخذ النَّحْو عَن الرب ... مَا زَاده إِلَّا عمى الْقلب)

فَقَالَ: أَنْشدني من أنْشدهُ أَبُو عمر بن الْعَلَاء:

(يَشْتمنِي عبد بني مسمع ... فصنت عَنهُ النَّفس والعرضا)

(وَلم أجبه لاحتقاري بِهِ ... من ذَا يعَض الْكَلْب إِن عضا {)

وَقَالَ أَبُو بكر بن مُجَاهِد: قَالَ لي ثَعْلَب: يَا أَبَا بكر، اشْتغل أَصْحَاب الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ ففازوا، وَأَصْحَاب الحَدِيث بِالْحَدِيثِ ففازوا، وَأَصْحَاب الْفِقْه بالفقه ففازوا، فاشتغلت أَنا بزيد وَعَمْرو، فليت شعري مَاذَا يكون حَالي} فَانْصَرَفت من عِنْده فَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تِلْكَ اللَّيْلَة فَقَالَ لي: أَقْْرِئ أَبَا الْعَبَّاس مني السَّلَام، وَقل لَهُ: أَنْت صَاحب الْعلم المستطيل.

قَالَ لي أَبُو عمر الزَّاهِد: سُئِلَ ثَعْلَب عَن شَيْء فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقيل لَهُ: أَتَقول: لَا أَدْرِي، وَإِلَيْك تضرب اكباد الْإِبِل من كل بلد! فَقَالَ: لَو كَانَ لأمك بِعَدَد مَا لَا أَدْرِي بعر، لاستغنت.

صنف: المصون فِي النَّحْو، اخْتِلَاف النَّحْوِيين، مَعَاني الْقُرْآن، مَعَاني الشّعْر، الْقرَاءَات، التصغير، الْوَقْف والابتداء، الهجاء، الأمالي، غَرِيب الْقُرْآن، الفصيح - وَقيل هُوَ لِلْحسنِ ابْن دَاوُد الرقي، وَقيل: ليعقوب ابْن السّكيت - وَله أَشْيَاء أخر.

وَثقل سَمعه بِأخرَة، ثمَّ صم، فَانْصَرف يَوْم الْجُمُعَة من الْجَامِع بعد الْعَصْر وَإِذا بدواب من وَرَائه، فَلم يسمع صَوت حافرها، فصدمته فَسقط على رَأسه فِي هوة من الطَّرِيق، فَلم يقدر على الْقيام، فَحمل إِلَى منزله.

وَمَات مِنْهُ ليَوْم السبت لعشر خلون - وَقيل لثلاث عشرَة بقيت - من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ، وَخلف كتبا تَسَاوِي جملَة وَألْفي دِينَار وواحدا وَعشْرين ألف دِرْهَم، ودكاكين تَسَاوِي ثَلَاثَة آلَاف دِينَار، فَرد مَاله على ابْنَته.

<<  <  ج: ص:  >  >>