للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمُوَافَقَتُهُ الْأَصَمَّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ اعْتَبَرَ ظَاهِرَ الشَّبَهِ، وَعَدَّدَ وُجُوهَهُ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ، كَمَا ذَكَرَ الْأَصَمُّ ظَاهِرَ الشَّبَهِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا.

وَيُخَالِفُ قَوْلَ الْأَصَمِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَصَمَّ اعْتَبَرَ الشَّبَهَ مِنْ جِهَةِ أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ، وَذَوَاتِهَا، وَصُوَرِهَا، وَجَمَعَ بَيْنَ حُكْمِ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ.

وَالشَّافِعِيُّ اعْتَبَرَ الشَّبَهَ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ أَحْكَامَ الْحُرِّ وَأَحْكَامَ الْبَهِيمَةِ، فَجَعَلَ الْعَبْدَ مُشْبِهًا لِلْحُرِّ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ، وَمُشْبِهًا لِلْبَهِيمَةِ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ فِي الْأَحْكَامِ، لَا فِي الْأَعْيَانِ وَالصُّوَرِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَعْتَبِرُ كَثْرَةَ الشَّبَهِ فِي الْأَحْكَامِ. فَمَا أَشْبَهَ الْحَادِثَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ فِي أَحْكَامِهَا، أَوْلَى مِمَّا أَشْبَهَهَا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ كُلَّمَا كَثُرَتْ جِهَاتُ الشَّبَهِ كَانَ الْحُكْمُ لِلْكَثْرَةِ عِنْدَهُمْ. نَحْوُ قَوْلِ مَنْ يَخُصُّ إيجَابَ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ دُونَ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ - زَعَمَ - يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ، وَيَجِبُ بِهِ الْهَدْيُ، وَيُوجِبُ الْحَدَّ إذَا صَادَفَ غَيْرَ مِلْكٍ وَلَا شِبْهٍ، وَيُوجِبُ الْغُسْلَ.

فَلَمَّا كَانَتْ الْأَحْكَامُ الْمُعَلَّقَةُ بِالْجِمَاعِ أَكْثَرَ مِنْهَا بِالْأَكْلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ إذْ كَانَ الْأَكْلُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ فَحَسْبُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْجِمَاعِ دُونَ غَيْرِهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِهِ، أَوْلَى.

وَيُحْكَى عَنْ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا قِيَاسَ لِقَائِسٍ إلَّا عَلَى أَصْلٍ مَعْلُومٍ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>