للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ اسْتِدْلَالُنَا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ أَوْلَى، لِمَا وَصَفْنَا. وَمِثْلُهُ: قَوْلُ مَنْ خَالَفْنَا فِي الْمُجَاوَزَةِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ إذَا قُتِلَ خَطَأً، وَاعْتِلَالِهِ بِأَنَّهُ مَالٌ كَالدَّابَّةِ، وَالثَّوْبِ، وَاسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ مَالًا وَجَبَ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَأَنَّ الْحُرَّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَالًا لَمْ يُجَاوَزْ بِهِ الدِّيَةَ.

وَقُلْنَا نَحْنُ لَا نُجَاوِزُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ، أَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَ آدَمِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْجِنَايَةِ، وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ مُخَالِفٌ لِضَمَانِ الْأَمْوَالِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ قَاتِلَهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ، وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَأَنَّ كَوْنَهُ مَالًا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ وَالْقِصَاصِ؛ إذْ كَانَ إتْلَافُهُ مِنْ طَرِيقِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَكَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي جَوَازِ مُجَاوَزَةِ الدِّيَةِ بِقِيمَتِهِ، فَكَانَ اعْتِبَارُنَا أَوْلَى؛ إذْ كَانَ كَوْنُهُ مَالًا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْ قَاتِلِهِ فِي الْخَطَأِ، وَالْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُودِ الْحُكْمِ بِوُجُودِ كَوْنِهِ مَالًا، وَارْتِفَاعِهِ بِارْتِفَاعِهِ فِي الدَّابَّةِ الْمُتْلَفَةِ، فَعَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِكَوْنِهِ مَالًا (دُونَ) مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ ضَمَانَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ، (وَضَمَانَ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْوَجْهِ ضَمَانُ الْجِنَايَاتِ) ، فَكَانَتْ قِيمَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِدِيَةِ الْحُرِّ فِي مَنْعِ مُجَاوَزَتِهَا وَنُقْصَانِهَا عَنْ الدِّيَةِ، لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ بَابِ الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّ دِيَاتِ الْأَحْرَارِ قَدْ تَنْقُصُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُؤَقَّتِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ، وَأَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ خَمْسُمِائَةٍ، فَعَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَجِبُ اعْتِبَارُ الْمَعَانِي، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>