للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ ظَهَرَ الْقَوْلُ مِنْ جَمَاعَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خِلَافٌ لِلْقَائِلِ بِالْإِجْمَاعِ]

فَصْلٌ

مِنْ هَذَا الْبَابِ:

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

فَقَالَ قَائِلُونَ: إذَا ظَهَرَ الْقَوْلُ مِنْ جَمَاعَةٍ كَبِيرَةٍ، أَوْ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ وَانْتَشَرَ وَاسْتَفَاضَ فِي عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خِلَافٌ لِلْقَائِلِ بِهِ - فَهُوَ إجْمَاعٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَكُونُ هَذَا إجْمَاعًا حَتَّى يَكُونَ الْقَائِلُونَ بِهِ الْجُمْهُورَ الْأَعْظَمَ، وَيَكُونُ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ عَدَدٌ قَلِيلٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَائِلُونَ نَفَرًا يَسِيرًا، وَالسَّاكِتُونَ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ، فَلَيْسَ يَنْعَقِدُ بِهَذَا إجْمَاعٌ، وَإِنْ تَرَكَتْ الْجَمَاعَةُ إظْهَارَ الْخِلَافِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا إذَا كَانَ الْقَائِلُونَ بِهِ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ وَالسَّاكِتُونَ نَفَرًا يَسِيرًا: هَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يُظْهِرُوا مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ انْتِشَارِ الْمَقَالَةِ وَظُهُورِهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ: مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ شَرْطُهُ ظُهُورَ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الْقَائِلَةِ بِهِ، وَانْتِشَارَهُ فِي الْبَاقِينَ مِنْ غَيْرِ إظْهَارٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ خِلَافًا، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الْإِجْمَاعِ وُجُودَ الْقَوْلِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ، وَفِي وُجُوبِ اعْتِبَارِهِ بُطْلَانُ حُجَّةِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي قَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِحَّتِهِ، وَلُزُومِ حُجَّتِهِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ اللَّه تَعَالَى بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ وَيَأْمُرَنَا بِلُزُومِهِ (وَاعْتِبَارِهِ) ثُمَّ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ.

فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ صَحَّ الثَّانِي، وَهُوَ: أَنَّ شَرْطَهُ ظُهُورُ الْقَوْلِ فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِمْ. ثُمَّ لَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ خِلَافٌ عَلَى الْقَائِلِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَائِلُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ وَنَفَرًا يَسِيرًا، وَانْتَشَرَ قَوْلُهُمْ فِي الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ لِخِلَافِهِمْ لَمَا جَازَ أَنْ تَتَّفِقَ هِمَمُهُمْ عَلَى كِتْمَانِهِ وَتَرْكِ إظْهَارِهِ، إذْ لَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ إظْهَارِ قَوْلِهِمْ وَمَعْلُومٌ: أَنَّ عَادَاتِ النَّاسِ وَتَعَارُفَهُمْ، أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّفِقَ هِمَمُهُمْ وَخَوَاطِرُهُمْ عَلَى كِتْمَانِ خِلَافٍ هُمْ مُعْتَقِدُونَ لَهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَمْنَعُهُمْ مِنْ إظْهَارِهِ.

فَهَذَا يَدُلُّ: عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُمْ بَعْدَ انْتِشَارِ الْمَقَالَةِ وَظُهُورِهَا فِيهِمْ مُوَافَقَةٌ مِنْهُمْ لِلْقَائِلِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>