للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاجْتِهَادَ، وَأَنَّهُمْ سَوَّغُوا مَا لَمْ يَحْصُلْ إجْمَاعٌ، لَجَازَ أَنْ يُقَالَ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ: إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يَحْصُلْ خِلَافٌ، فَإِذَا وَقَعَ بَعْدَهُمْ خِلَافٌ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا.

قِيلَ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حَيْثُمَا وُجِدَ فَهُوَ حُجَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى: كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّهُ حُجَّةٌ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ خِلَافٌ.

وَأَمَّا تَسْوِيغُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُضَمَّنًا بِالشَّرِيطَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَيُقَالُ: إنَّ الِاجْتِهَادَ سَائِغٌ، مَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ فَإِذَا وُجِدَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ سَقَطَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ.

أَلَا تَرَى: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُسَوِّغُ الِاجْتِهَادَ فِي أَمْرِ الْجَنِينِ، حَتَّى لَمَّا أَخْبَرَهُ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ بِنَصِّ السُّنَّةِ. قَالَ: (كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِرَأْيِنَا، وَفِيهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وَكَذَلِكَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ، فَإِنَّمَا جَوَازُ اجْتِهَادِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ مُضَمَّنٌ بِعَدَمِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ اجْتَهَدَ ثُمَّ وَجَدَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا بِخِلَافِهِ تَرَكَ اجْتِهَادَهُ، وَصَارَ إلَى مُوجِبِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَكَذَلِكَ اجْتِهَادُ الصَّحَابَةِ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ، وَتَسْوِيغُهُمْ الْخِلَافَ فِيهِ، مَعْقُودٌ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ: وَهُوَ أَنْ (لَا) يَحْصُلَ بَعْدَهُ إجْمَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>