للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِمِقْدَارِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ) .

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَنَا سَبِيلٌ لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالْمَقَايِيسِ وَكَانَ طَرِيقُهُ التَّوْقِيفَ أَوْ الِاتِّفَاقَ، ثُمَّ وَجَدْنَا الصَّحَابِيَّ قَدْ قَطَعَ بِذَلِكَ وَأَثْبَتَهُ، دَلَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ: عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَوْقِيفًا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ تَخْمِينًا وَتَظَنُّنًا، فَصَارَ مَا كَانَ هَذَا وَصْفَهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ إنَّمَا يَلْزَمُ قَبُولُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْوَاحِدِ فِيهِ، وَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ تَوْقِيفًا.

قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى إثْبَاتِ هَذَا الضَّرْبِ مِنْ الْمَقَادِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَقَايِيسِ وَالرَّأْيِ وَأَنَّ طَرِيقَهُ التَّوْقِيفُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَقَادِيرَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، لَيْسَ عَلَى جِهَةِ إيجَابِ الْفَصْلِ (بَيْنَ) قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، فَيَكُونُ مَوْكُولًا إلَى الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُبْتَدَأٌ، كَمَقَادِيرِ أَعْدَادِ رَكَعَاتِ الصَّلَوَاتِ، الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَمَقَادِيرِ أَيَّامِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، وَمِقْدَارِ الْجَلْدِ فِي الْحَدِّ، لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالْمَقَايِيسِ لَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ تَوْقِيفٌ، كَذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ تُثْبِتُونَ أَنْتُمْ مَقَادِيرَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى. فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ: ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ، وَقَالَ فِي الْغُلَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>