للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ: وَمِنْهَا مَا هُوَ أَغَمْضُ وَأَلْطَفُ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَهُوَ يُفْضِي مَعَ ذَلِكَ إلَى الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ لَمَّا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْ الدَّلَائِلِ، فَإِنَّا قَدْ كُلِّفْنَا فِيهِ إصَابَةَ الْمَطْلُوبِ. وَأَمَّا قِسْمُ الِاجْتِهَادِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِيَاسٍ، وَإِلَى غَالِبِ الظَّنِّ، وَإِلَى الِاسْتِدْلَالِ (بِالْأُصُولِ) ، فَإِنَّا لَمْ نُكَلَّفْ فِيهِ إصَابَةَ الْمَطْلُوبِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي تَعَبَّدْنَا بِهِ هُوَ مَا يَغْلِبُ فِي الظَّنِّ عِنْدَ الِاجْتِهَادِ، فَيَكُونُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ (أَنَّهُ) أَشْبَهُ الْأُصُولِ بِالْحَادِثَةِ، فَيَحْكُمُ لَهَا بِحُكْمِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْحَوَادِثِ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا: أَنَّا وَجَدْنَا الصَّحَابَةَ اخْتَلَفَتْ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ عَلَى ضَرْبَيْنِ، فَسَوَّغُوا الْخِلَافَ وَالتَّنَازُعَ فِي أَحَدِهِمَا، وَهِيَ مَسَائِلُ الْفُتْيَا، وَأَنْكَرُوهُ فِي الْآخَرِ، وَخَرَجُوا مِنْهُ إلَى التَّلَاعُنِ، وَالْبَرَاءَةِ، وَنَصْبِ الْحَرْبِ، وَالْقِتَالِ، لِأَنَّ دَلِيلَ الْحُكْمِ كَانَ قَائِمًا قَدْ كُلِّفُوا فِيهِ إصَابَةَ الْحَقِيقَةِ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الذَّاهِبَ عَنْهُ ضَالٌّ آثِمٌ تَارِكٌ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَا كَانَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادَ وَغَلَبَةَ الظَّنِّ لَمْ يَخْرُجُوا فِيهِ إلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا فِيهِ إصَابَةَ الْمَطْلُوبِ، إنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَائِمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>