للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: ٥١] ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي إثْبَاتِهِ (عَلَى) قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي أَسْرَى بَدْرٍ فِي قَتْلِهِمْ أَوْ فِدَائِهِمْ. فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، بِالْفِدَاءِ، وَأَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، بِالْقَتْلِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَأَشْبَهْتَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٦] وَأَمَّا أَنْتَ يَا عُمَرُ، فَإِنَّكَ أَشْبَهْتَ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: ٢٦] » وَوَافَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتِهَادَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ الْفِدَاءَ، وَكَانَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدِّينِ. وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ لَمَا شَاوَرَ فِيهِ أَحَدًا.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَاتَبَهُ فِي أَخْذِهِ الْفِدَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: ٦٧] إلَى قَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: ٦٨] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفِدَاءَ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا.

قِيلَ لَهُ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَأَبَى بَعْضُهُمْ مَا ذَكَرْتَ، وَأَجَازَهُ آخَرُونَ، وَالْكَلَامُ فِي صِحَّةِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ خُرُوجٌ عَنْ مَسْأَلَتِنَا، لِأَنَّهُ كَلَامٌ بَيْنَ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالْحَقُّ فِي جَمِيعِ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ، بَعْدَ تَسْلِيمِ جَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>