للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسبحُ لا من تُقى أحمدُ ... يُريدُ التظرفَ بالسبحه

ومجرى مخارج أنفاسهِ ... يفتقُ في اللفظ عن سلحه

وله " من الرمل ":

أنا مذ بنتَ أسيرُ للكمد ... زائد الصبوة منقوص الجلد

ذو منى فيك كذوب وعدها ... تخدع النفس بيومٍ وبغد

لاترعني بفراقٍ بعد ذا ... أنا راضٍ باجتماع وبصد

أنت كلُ الناس عندي فإذا ... غبت عن عيني لم ألق أحد

لي عشق فاضلٌ فيك كما ... لك فضلُ الحسن في وجه وقد

وكتب إلى صديق له كتاباً في ظهر وكتب فيه يعتذر إليه " من السريع ":

كتابنا ياصاح في الظهر ... يخبر أني ظاهرُ الفقرِ

فاعذر بنفسي أنت من سيدٍ ... فالعذر أولى بالفتى الحُرِ

وأعلم وإن كنت الذي علمه ... يفوق أهل البدو والحضر

أن الغنى يصلح دين الفتى ... والفقر مشتق من الكفرِ

مات عبيد الله بن محمد بن عائشة بالبصرة في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين ومائتين، وصلى عليه جعفر بن القاسم أمير البصرة وهو ابن خمس أو ست وثلاثين سنة.

٤٣ - ومن أخبار أبي عليّ الحسن بن عليّ الحِرْمازيّ

قيل له الحرمازي لأنه كان ينزل في بني الحرماز، فنسب إليهم، وهو مولى لنبي هاشم ومن أصحاب أبي عبيدة، وقيل: مولى لآل سليمان بن عليّ، وقالوا: هو أعرابيّ راويةٌ قدم البصرة وأقام بها. وقال المبرد: الحرماز بن مالك بن عمرو بن تميم ومازن بن مالك بن عمرو بن تميم أخوه، وليس في الأرض حرمازي نلقاه فنسأله عن نسبه إلا قال: من بني عمرو بن تميم! ولايذكر الحرمازي لضعة فيهم. وبنوا نُميَّر لما هجاهم جرير صار النميري إذا سئل عن نسبه قال: من بني عامر بن صعصعة! وقد هجا محمد بن مناذر جماعة من ثقيف من أشراف أهل البصرة فقال " من الوافر ":

وسوف يزيدهم ضعةً هجائي ... كما وضع الهجاء بني نميرِ

قال ابن الأعرابي: الحرماز السيئُ الخُلق.

وكان الحرمازي في ناحية عمرو بن مسعدة، وكان عمرو يجري عليه، فلما خرج عمرو إلى الشأم تخلف الحرمازيُّ عنه لنقرس كان به، فأضر ذلك بحاله، فقال " من الطويل ":

أقام بأرض الشام فاختل جانبي ... ومطلبه بالشام غير قريب

ولاسيما في مفلس حلف نقرسٍ ... أما نقرسٌ في مفلسٍ بعجيبِ

كان المأمون أمر يحيى بن أكثم أن يفرض فرضاً، فصيّر يحيى أمر ذلك إلى زيد صاحبه وأمره أن لايفرض إلا لأمرد بارع الجمال، فقال الحرمازي " من السريع ":

يازيد ياكاتب فرض الفراش ... أكل هذا طلباً للمعاش

مالي أرى فرضك حملانهم ... تكتبُ في الدفتر قبل الكباشِ

وعد الحرمازيَّ بعض الهاشميين فأخلف، فكتب إليه " من الوافر ":

رأيتُ الناس قد صدقوا ومانوا ... ووعدك كُلُّه خُلفٌ ومينُ

وفيتُ فما وفيت لنا بوعدٍ ... وموعود الكريم عليه دينُ

ألا ياليتني استبقيتُ وجهي ... فإنّ بقاء وجه الحُرّ زينُ

واعتل الحرمازي، فلم يُعده بعض أصدقائه، فكتب إليه " من الوافر ":

متى تنفك واجبةُ الحقوقِ ... إذا كان اللقاءُ على الطريقِ

إذا ما لم يكن الإسلامُ ... فما يرجو الصديقُ من الصديقِ

مرضتُ فلم تعدني عُمْر شهرٍ ... وليس كذاك فعل أخٍ شفيقِ

وقال: كنتُ بباب مدينة بغداد فرأيت أعرابياً، فقلت: ممن الرجل؟ فقال: من بني تميم فقلت: أتعرف القائل " من الطويل ":

تميمٌ بطُرقِ اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكتْ طُرق المكارم ضلَّتِ

ولو أنّ برغوثاً على ظهر قملةٍ ... يَكُرُّ على جنبي تميمٍ لزَلَّتِ

تميمٌ كجحش السوء يرضع أمَّه ... ويتبعها دهراً إذا هي ولَّتِ

فقال: لا، ولكني أعرف غير هذا. قلتُ: فهاته! فقال " من الوافر ":

أعضَّ اللهُ من يهجو تميماً ... ومن يروي ليثلبها هجاءَ

ببظر عجوزةِ وبإسكتيها ... وأدخل رأسه من حيث جاءَ

قال: فغطيت رأسي مخافة أن يسمعه الناسُ، وانسلكت في غمار الناس.

<<  <   >  >>