للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإفكِ والزورِ وإياك يَغُرّْ

٥١ - ومن أخبار الزياديّ أبي إسحاق

هو إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمان بن زياد بن أبيه، قرأ على الأصمعي وروى عنه وعن غيره. من شعره " من الرمل ":

دَفَعَ الرحمانُ لي عنك فذاك الدَفْعُ عَنّي

وأراني فيك من يعذلُني قارعَ سِنيّ

إن تكن برزت في الحُسنِ فقد برَّز حُزْني

٥٢ - ومن أخبار أبي عمرو قَعْنَبِ بن المُحْرِز الباهليّ البصريّ

وكان أبو هفَّان يكتب عنه ويسمع منه، وكان أبو عليّ البصير ينقم ذلك على أبي هفان، ويرى أنّ موضعه من العلم والأدب يرتفع عنه، وقال فيه " من الطويل ":

رأيتُ أبا هِفَّان يسأل قعنباً ... فقلتُ له قولاً أمضَّ من الشتمِ

تعلَّمت حتى من كلابٍ عُواءها ... لعمري لقد أسرفت في طلب العلمِ

فبلغ ذلك الشعر قعنباً، فقال: ياقوم ومع أبي هِفان من العلم والأدب ما يرتفع به عن السماع مني! فاتصل ذلك بأبي هفَّان. فقال " من المتقارب ":

أباهل ينبحني كلبكم ... وأسدكم ككلاب العرب

ولو قيل للكلب: ياباهليُّ ... عوى الكلبُ من لُؤُم هذا النسب

٥٣ - ومن أخبار أبي عثمان المازنيّ

قال المبرد: اسمه بكر بن محمد بن عدي بن حبيب من بني مازن ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. وكان إمامياً، يرى رأي ابن ميثم، وكان يقول بالإرجاء. - قال المبرد: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان. قال المازني: خرقت سبع عشرة نسخة لكتاب سيبويه من كثرة دراستي له. وكان يسمى الصندوق. وكان الرياشي قرأ سيبويه على المازني: - قال الجَمَّاز يمدحه " من الرمل ":

أعلم الناس بنحوٍ وبشعرٍ وغريبْ ... وبأيام جميع الناس بكر بنُ حبيبِ

قال المازني: كان سبب طلب الواثق لي أنّ مخارقاً غنَّى في مجلسه " من الكامل ":

أظُلَيْمُ إنّ مصابكم رجلاص ... أهدى السلام إليكمُ ظلمُ

فتابعه بعضٌ وخالفه آخرون، فسأل الواثق عن من هو من رؤساء النحو، فذكرت له، فأمر بحملي وإزاحة علتي. فلَّما وصلت إليه وسلمت عليه قال لي: ممن الرجل؟ قلتُ: من بني مازن. قال: أمن مازن تميم أم من مازن قيس أم من مازن ربيعة أم من مازن اليمن؟ قلت: من مازن ربيعة. قال لي: باسمك؟ - يريد: مااسمك؟ وهي لغة في قومنا. فقلت على القياس: مكرٌ! - أي بكر. فقال: اجلس واطمئنَّ! فجلست فسألني عن البيت فانشدته " من الكامل ":

أظليمُ إنّ مصابكم رجلا

فقال لي: أين خبر إنّ؟ قلتُ: " ظُلْمُ " الحرف الذي في آخر البيت. ثمّ قلتُ: أما ترى، يا أمير المؤمنين، أنّ البيت كلَّه مُعلَّقٌ لامعنى له حتى يتَّم بهذا الحرف؟! إذا قال:

أظلُيم إنّ مصابكم رجلاً ... أهدى السلام إليكمُ ...

فكأنه ما قال شيئاً حتى يقول؟ ظُلْمُ؟. فقال: صدقت! ألك ولدٌ؟ قلت: بنية لاغير. قال: فما قالت حين ودعتها؟ قلتُ " من المتقارب ":

تقول ابنتي حين جدّ الرحيلُ ... أرانا سواءً ومن قد يتمْ

أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنَّا بخيرٍ إذا لم ترمْ

أرانا إذا أضمرتك البلا ... د نُجفى وتُقْطَع منَّا الرَحِمْ

قال: فما قلت لها؟ قلتُ لها ما قال جرير " من الوافر ":

ثقي بالله ليس له شريكٌ ... ومن عند الخليفة بالنجاح

فقال: ثقْ بالنجاح إن شاء الله! إن ههنا قوماً يختلفون إلا أولادنا، فامتحنتهمْ! فمن كان منهم عالماً ينتفع به ألزمناهم إياه، ومن كان بغير هذه الصفة قطعناه عنهم. ثمّ أمر فجمعوا إليَّ فامتحنتهم، فما وجدت طائلاً، وحذروا ناحيتي، فقلت: لابأس على أحد! فلمَّا رجعت إليه قال: كيف رأيتهم؟ قلتُ: يفضل بعضهم بعضا في علوم يفضل الباقون في غيرها، وكلٌّ محتاجٌ إليه. قال لي الواثق: إني خاطبت منهم واحداً، فكان في نهاية الجهل في خطابه ونظره. فقلت: ياأمير المؤمنين، أكثر من تقدم منهم بهذه الصفة، ولقد أنشدت فيهم " من الكامل ":

إنّ المعلم لايزالُ مضعفاً ... ولو ابتني فوق السماء بناء

من علَّم الصبيان صّبَّوا عقله ... حتى بنى الخلفاء والأمراء

<<  <   >  >>