للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليس على ما ذهب إليه العامة، ولا على ما فسره المفسرون، ولا على ما ترجمه المترجمون، وقد غلطوا في ترجمته وتفسيره وقصدوا غير سبيله، وشرحوا الظاهر وكتموا الباطن وما في حشوه، وذلك أنهم ترجموا قوله لا بالأعجمية ميست وهو خطأ بيِّن، وكيف يشبه لإبليس، أم كيف يشبه نه بالأعجمية نيست؟ ولو كان كما ذهب إليه الناس من قولهم: لا إله: نيست خداي، لكان ليس إله على قياس قولهم، ولكنهم بالخطأ يتكلمون وبالمحال يترجمون، وإلههم ينفون لا الإله، وسنبين لك خطأ قولهم ومحال ترجمتهم لتفهمه، وتكون على علم منه إن شاء الله والتوفيق بالله، إن لا كلمة نفي وتبرئة أبرزها الجليل لينفي بها كل معبود دونه عن أن يكون مثله، وتنزه بها ربك عن أن يكون له شبيه أو يكون له في ملكه شريك أو ولد كما زعم الكفار والمشركون وكفرة أهل الكتاب، والنفي والتبرئة هو التسبيح والتنزيه، وأما ليس فهي كلمة جحود وإنكار، وليس للإنكار والجحود هاهنا معنى ولا موضع، إنما هاهنا موضع النفي والتبرئة؛ وهما التنزيه والتسبيح، وقد دعا الله سبحانه وتعالى الخلق إليهما، وبهما أمر لا إلى الجحود والإنكار وذلك أن القوم لم يكونوا ينكرون أو يجحدون أن ليس في السماء إله، ولكنهم يزعمون أن له ولدا يشبهه وهو عيسى، وإن له شريكاً في ملكه وهو هذه الأصنام، وإنه قد اتخذ صاحبة وهي مريم وإنه اصطفى البنات على البنين؛ وهن الملائكة، وأن الشمس والقمر والشجر والكواكب له شركاء في ملكه، وقد قال تعالى في كتابه يحكي عن قولهم (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) ؛ فدعا الله خلقه إلى أن ينفوا عنه مقالاتهم الرجسة، وينزهوه عن ذلك كله، وأن ينفوا الآلهة التي اتخذوها من دون الله، ويوحدوه بوحدانيته في ربوبيته، فإذا قال العبد: لا إله، وزعم أن ترجمته ليس إله فإنما أنكر الإله المستحق وله جحد، وهو الربّ تبارك اسمه "لا اسمه المستعار وهو الصنم" لأن الاسم المستعار للصنم من اسم ربنا وهو الإله لا يدخل في قوله: ليس، إنما يدخل الاسم المستحق وهو اسم الرب لأن الجحود إنما يقع المستحق نصاً، لا على المستعار المنحول، وإنما يقع النفي على المستعار والمنحول، ألا ترى أنك إذا قلت ليس إله فقد جحدت اسم الإله الذي هو إله، وإذا قلت لا إله فقد نفيت اسم الإله المستعار المنحول؛ لأن الله تعالى دعاك أن توحده وتنفي ما دونه مما تسمى باسمه الله، وزعموا أنه إله دونه، وتنزهه وتبرئه عن أن يكون دونه أحد أو معه في ملكه أحد، فأطلق لسانك على أ، تقول لا إله وهو بالأعجمية "نه خدايست" هذا الذي تزعمون أنه إله دون إلهي وقد سميتموه باسم الله، ثم تقول إلاَّ الله، وبالأعجمية "جزاز خداي" الذي له اسم الإله المستحق فإذا قلت ذلك فقد أجبتهم به، ورددت عليهم قولهم، وما سمّوا به أصنامهم، ونفيت اسم إلهك عنه، ونزهت ربك عن كل ما أشركوا فيه، وبرأته عن أن يكون في ملكه ما يشبهه، وأثبته ملكاً فرداً ووحدته أحداً صمداً، وسبحته بما هو أهل، وأصبت معنى الله بقولك في الرد عليهم وعلى مقالاتهم الرجسة وناضحت عن ربك، وانتقمت منهم نقمة ربك، ولاشيت أقوالهم، وأبطلت حججهم، ودمرت عليهم تدميراً، ونصرت اسم ربك وقدسته من أقذارهم وفككت أسرته، وإذا قلت لا وزعمت أن ترجمته ليس لم يكن لهم في قولك جواب، وتلاشى كلامك وبطل المعنى، وصار النفي غير ذلك، لأن المعنى في كلامك يؤدي هاهنا على خلاف ما في الضمير، لأن معناك من قولك هذا على النفي وإثبات الرب، وقولك على لسانك يؤدي نفي اسم الله لا اسم الصنم، فكيف يغني عنك لو أنك تقول هات كوزاً من ماء وفي ضميرك معنى الخبز، وإن أردت أن يظهر لك قبح تلك الترجمة وفحشها، ورشد ترجمته وحسنها، وإصابة المعنى في التمييز بينهما، مثلت لك لتدركه، فإن هذا حرف لطيف لا يدرك ما قلنا ولا يفهمه إلاَّ من دقق النظر، وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أرأيت لو أن لك فرساً ولرجل حمار قد سماه فرساً أتاك فقال هذا فرسي كفرسك ما كنت تقول له: إن قلت له ليس بفرس نفيت فرسك، وجحدت أن يكون فرسك فرساً لا حماراً لأن فرسه حمار ومتسمِّي باسم فرسك؛ ولو قلت ليس بحمار كذبت لأنه حمار وليس فرساً. قيل اشرح لنا كيف سبيله، قال: إن قلت ليس فرس إلاَّ الفرس لم يكن كلاماً لأنك قد نفيت الفرس الذي هو فرسي وجحدته قبل أن تثبته وقبل أن تنفي

<<  <   >  >>