للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالسخط وَهَؤُلَاء أعداؤه وَفِيهِمْ من الْعَدَاوَة بِحَسب مَا فيهم من ذَلِك وَقسم قَالُوا إِنَّمَا نَحن عبيدك فَإِن أمرتنا سارعنا إِلَى الْإِجَابَة وَإِن نَهَيْتنَا أمسكنا نفوسنا وكففناها عمّا نَهَيْتنَا عَنهُ وَإِن أَعطيتنَا حمدناك وشكرناك وان منعتنا تضر إِلَيْك وَذَكَرْنَاك فَلَيْسَ بَين هَؤُلَاءِ وَبَين الْجنَّة إِلَّا ستر الْحَيَاة الدُّنْيَا فَإِذا مزقه عَلَيْهِم الْمَوْت صَارُوا إِلَى النَّعيم الْمُقِيم وقرة الْأَعْين كَمَا أَن أُولَئِكَ لَيْسَ بَينهم وَبَين النَّار إِلَّا ستر الْحَيَاة فَإِذا مزّقه الْمَوْت صَارُوا إِلَى الْحَسْرَة والألم

فَإِذا تصادمت جيوش الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي قَلْبك وَأَرَدْت أَن تعلم من أَي الْفَرِيقَيْنِ أَنْت فَانْظُر مَعَ من تميل مِنْهُمَا وَمَعَ من تقَاتل إِذْ لَا يمكنك الْوُقُوف بَين الجيشين فَأَنت مَعَ أَحدهمَا لَا محَالة فالفريق الأول استغشوا الْهوى فخالفوه واستنصحوا الْعقل فشاوروه وفرّغوا قُلُوبهم للفكر فِيمَا خلقُوا لَهُ وجوارحهم للْعَمَل بِمَا أمروا بِهِ وأوقاتهم لعمارتها بِمَا يعمر مَنَازِلهمْ فِي الْآخِرَة واستظهروا على سرعَة الْأَجَل بالمبادرة إِلَى الْأَعْمَال وَسَكنُوا الدُّنْيَا وَقُلُوبهمْ مسافرة عَنْهَا واستوطنوا الْآخِرَة قبل انتقالهم إِلَيْهَا واهتموا بِاللَّه وطاعنه على قدر حَاجتهم إِلَيْهَا وتزودوا للآخرة على قدر مقامهم فِيهَا فَعجل لَهُم سُبْحَانَهُ من نعيم الْجنَّة وروحها أَن آنسهم بِنَفسِهِ وَأَقْبل بقلوبهم إِلَيْهِ وَجَمعهَا على محبته وشوقهم إِلَى لِقَائِه ونعمهم بِقُرْبِهِ وَفرغ قُلُوبهم مِمَّا مَلأ قُلُوب غَيرهم من محبَّة الدُّنْيَا والهم والحزن على فَوتهَا وَالْغَم من خوف ذهابها فاستلانوا مَا استوعره المترفون وأنسوا بِمَا استوحش مِنْهُ الجاهلون صحبوا الدُّنْيَا بأبدانهم وَالْمَلَأ الْأَعْلَى بأرواحهم

فصل التَّوْحِيد أصلف شَيْء وأنزهه وأنظفه وأصفاه فأدنى شَيْء يخدشه ويدنّسه

ويؤثّر فِيهِ فَهُوَ كأبيض ثوب يكون يؤثّر فِيهِ أدنى أثر وكالمرآة الصافية جدا أدنى شَيْء يُؤثر فِيهَا وَلِهَذَا تشوشه اللحظة واللفظة والشهوة الْخفية فَإِن بَادر صَاحبه

<<  <   >  >>