للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمرَاده لذاتها بل فِي الْحَقِيقَة اعمال الْجَوَارِح وَسِيلَة مُرَادة لغَيْرهَا فَإِن الثَّوَاب وَالْعِقَاب والمدح والذم وتوابعها هُوَ للقلب اصلا وللجوارح تبعا وَكَذَلِكَ الاعمال الْمَقْصُودَة بهَا اولا صَلَاح الْقلب واستقامته وعبوديته لرَبه ومليكه وَجعلت اعمال الْجَوَارِح تَابِعَة لهَذَا الْمَقْصُود مُرَادة وان كَانَ كثير مِنْهَا مرَادا لاجل الْمصلحَة المترتبة عَلَيْهِ فَمن اجلها صَلَاح الْقلب وزكاه وطهارته واستقامته فَعلم ان الاعمال مِنْهَا غَايَة وَمِنْهَا وَسِيلَة وان الْعلم كَذَلِك وايضا فالعلم الَّذِي هُوَ وَسِيلَة الى الْعَمَل فَقَط إِذا تجرد عَن الْعَمَل لم ينْتَفع بِهِ صَاحبه فَالْعَمَل اشرف مِنْهُ وَأما الْعلم الْمَقْصُود الَّذِي تنشأ ثَمَرَته الْمَطْلُوبَة مِنْهُ من نَفسه فَهَذَا لَا يُقَال ان الْعَمَل الْمُجَرّد اشرف مِنْهُ فَكيف يكون مُجَرّد الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة افضل من الْعلم بِاللَّه واسمائه وَصِفَاته وَأَحْكَامه فِي خلقه وامره وَمن الْعلم بأعمال الْقُلُوب وآفات النُّفُوس والطرق الَّتِي تفْسد الاعمال وتمنع وصولها من الْقلب الى الله والمسافات الَّتِي بَين الاعمال وَالْقلب وَبَين الْقلب والرب تَعَالَى وَبِمَا تقطع تِلْكَ المسافات الى غير ذَلِك من علم الايمان وَمَا يقويه وَمَا يُضعفهُ فَكيف يُقَال ان مُجَرّد التَّعَبُّد الظَّاهِر بالجوارح افضل من هَذَا الْعلم بل من قَامَ بالامرين فَهُوَ اكمل وَإِذا كَانَ فِي احدهما فضل ففضل هَذَا الْعلم خير من فضل الْعِبَادَة فاذ كَانَ فِي العَبْد فضلَة عَن الْوَاجِب كَانَ صرفهَا الى الْعلم الْمَوْرُوث عَن الانبياء افضل من صرفهَا الى مُجَرّد الْعِبَادَة فَهَذَا فصل الْخطاب فِي هَذِه المسئلة وَالله اعْلَم الْوَجْه الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعدالمائة مَا رَوَاهُ الامام احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابي كَبْشَة الانماري قَالَ قَالَ رَسُول الله انما الدُّنْيَا لأربعة نفر عبد رزقه الله مَالا وعلما فَهُوَ يَتَّقِي فِي مَاله ربه ويصل فِيهِ رَحمَه وَيعلم لله فِيهِ حَقًا فَهَذَا باحسن الْمنَازل عِنْد الله وَرجل آتَاهُ الله علما وَلم يؤته مَالا فَهُوَ يَقُول لَو ان لي مَالا لعملت بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته وهما فِي الاجر سَوَاء وَرجل آتَاهُ الله مَالا وَلم يؤته علما فَهُوَ يخبط فِي مَاله وَلَا يَتَّقِي فِيهِ ربه وَلَا يصل فِي رَحمَه وَلَا يعلم لله فِيهِ حَقًا فَهَذَا بأسوا الْمنَازل عِنْد الله وَرجل لم يؤته الله مَالا وَلَا علما فَهُوَ يَقُول لَو ان لي مَالا لعملت بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته وهما فِي الْوزر سَوَاء حَدِيث صَحِيح صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا فقسم النَّبِي اهل الدُّنْيَا أَرْبَعَة اقسام خَيرهمْ من اوتي علما ومالا فَهُوَ محسن الى النَّاس وَإِلَى نَفسه بِعِلْمِهِ وَمَاله ويليه فِي الْمرتبَة من اوتي علما وَلم يُؤْت مَالا وان كَانَ اجرهما سَوَاء فَذَلِك إِنَّمَا كَانَ بِالنِّيَّةِ والا فالمنفق الْمُتَصَدّق فَوْقه بِدَرَجَة الانفاق وَالصَّدَََقَة والعالم الَّذِي لَا مَال لَهُ إِنَّمَا ساواه فِي الاجر بِالنِّيَّةِ الجازمة المقترن بهَا مقدورهما وَهُوَ القَوْل الْمُجَرّد الثَّالِث من اوتي مَالا وَلم يُؤْت علما فَهَذَا اسوأ النَّاس منزلَة عِنْد الله لَان مَاله طَرِيق الى هَلَاكه فَلَو عَدمه لَكَانَ خيرا لَهُ فَإِنَّهُ اعطى مَا يتزود بِهِ الى الْجنَّة فَجعله زادا لَهُ الى النَّار الرَّابِع من لم يُؤْت مَالا

<<  <  ج: ص:  >  >>