للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلامة من الضَّرَر قَالَ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتُم النَّار الَّتِي تورون} الى قَوْله {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} فسبحان رَبنَا الْعَظِيم لقد تعرف الينا بآياته وشفانا ببيناته واغنانا بهَا عَن دلالات الْعَالمين فاخبر سُبْحَانَهُ انه جعلهَا تذكرة بِنَار الاخرة فنستجير مِنْهَا ونهرب اليه مِنْهَا ومتاعا للمقوين وهم المسافرون النازلون بالقواء والقواء هِيَ الارض الخالية وهم احوج الى الِانْتِفَاع بالنَّار للاضاءة والطبخ وَالْخبْز والتدفي والانس وَغير ذَلِك

فصل ثمَّ تَأمل حكمته تَعَالَى فِي كَونه خص بهَا الانسان دون غَيره من

الْحَيَوَانَات فَلَا حَاجَة بِالْحَيَوَانِ اليها بِخِلَاف الانسان فَإِنَّهُ لَو فقدها لعظم الدَّاخِل عَلَيْهِ فِي معاشه ومصالحه وَغَيره من الْحَيَوَانَات لَا يستعملها ولايتمتع بهَا وننبه من مصَالح النَّار على خلة صَغِيرَة الْقدر عَظِيمَة النَّفْع وَهِي هَذَا الْمِصْبَاح الَّذِي يَتَّخِذهُ النَّاس فيقضون بِهِ من حوائجهم مَا شاؤا من ليلهم وَلَو هَذِه الْخلَّة لَكَانَ النَّاس نصف اعمارهم بِمَنْزِلَة اصحاب الْقُبُور فَمن كَانَ يَسْتَطِيع كِتَابَة اَوْ خياطَة اَوْ صناعَة اَوْ تَصرفا فِي ظلمَة اللَّيْل الداجي وَكَيف كَانَت تكون حَال من عرض لَهُ وجع فِي وَقت من اللَّيْل فَاحْتَاجَ الى ضِيَاء اَوْ دَوَاء اَوْ اسْتِخْرَاج دم اَوْ غير ذَلِك ثمَّ انْظُر الى ذَلِك النُّور الْمَحْمُول فِي ذبالة الْمِصْبَاح على صغر جوهره كَيفَ يضيء مَا حولك كُله فترى بِهِ الْقَرِيب والبعيد ثمَّ انْظُر الى انه لَو اقتبس مِنْهُ كل من يفْرض اَوْ يقدر من خلق الله كَيفَ لَا يفنى وَلَا ينفذ وَلَا يضعف وَأما مَنَافِع النَّار فِي انضاج الاطعمة والادوية وتجفيف مَالا ينْتَفع الا بجفافه وَتَحْلِيل مَالا ينْتَفع الا بتلحيله وَعقد مَالا ينْتَفع الا بعقده وتركيبه فَأكْثر من ان يُحْصى ثمَّ تَأمل مَا اعطيته النَّار من الْحَرَكَة الصاعدة بطبعها الى الْعُلُوّ فلولا الْمَادَّة تمسكها لذهبت صاعدة كَمَا ان الْجِسْم الثقيل لَوْلَا الممسك يمسِكهُ لذهب نازلا فَمن اعطى هَذَا الْقُوَّة الَّتِي يطْلب بهَا الهبوط الى مستقره واعطى هَذِه الْقُوَّة الَّتِي تطلب بهَا الصعُود الى مستقرها وَهل ذَلِك الا بِتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم

فصل ثمَّ تامل هَذَا الْهَوَاء وَمَا فِيهِ من الْمصَالح فَإِنَّهُ حَيَاة هَذِه الابدان

والممسك لَهَا من دَاخل بِمَا تستنشق مِنْهُ وَمن خَارج بِمَا تباشر بِهِ من روحه فتتغذى بِهِ ظَاهرا وَبَاطنا وَفِيه تطرد هَذِه الاصوات فتحملها وتؤديها للقريب والبعيد كالبريد وَالرَّسُول الَّذِي شَأْنه حمل الاخبار والرسائل وَهُوَ الْحَامِل لهَذِهِ الروائح على اختلافها ينقلها من مَوضِع الى مَوضِع فتأتي العَبْد الرَّائِحَة من حَيْثُ تهب الرّيح وَكَذَلِكَ تَأتيه الاصوات وَهُوَ ايضا الْحَامِل للْحرّ وَالْبرد اللَّذين بهما صَلَاح الْحَيَوَان والنبات وَتَأمل مَنْفَعَة الرّيح وَمَا يجْرِي لَهُ فِي الْبر وَالْبَحْر وَمَا هيئت لَهُ من الرَّحْمَة

<<  <  ج: ص:  >  >>