للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقفار وَالْجِبَال الَّتِي لَا انيس بهَا وَلَا سَاكن وتظن انه فضلَة لَا حَاجَة اليه وَلَا فَائِدَة فِي خلقه وهذامقدار عقلك وَنِهَايَة علمك فكم لباريه وخالقه فِيهِ من حِكْمَة وَآيَة من طعم أوحش وطير ودواب مساكنها حَيْثُ لاتراها تَحت الارض وفوقها فَذَلِك بِمَنْزِلَة مائدة نصبها الله لهَذِهِ الطُّيُور وَالدَّوَاب تتَنَاوَل مِنْهَا كفايتها وَيبقى الْبَاقِي كَمَا يبْقى الرزق الْوَاسِع الْفَاضِل عَن الضَّيْف لسعة رب الطَّعَام وغناه التَّام وَكَثْرَة إنعامه

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي اعطائه سُبْحَانَهُ بَهِيمَة الانعام

الاسماع والابصار ليتم تنَاولهَا لمصالحها ويكمل انْتِفَاع الانسان بهَا إِذْ لَو كَانَت عمياء اَوْ صماء لم يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع بهَا ثمَّ سلبها الْعُقُول على كبر خلقهَا الَّتِي للانسان ليتم تسخيره اياها فيقودها ويصرفها حَيْثُ شَاءَ وَلَو اعطيت الْعُقُول على كبر خلقهَا لامتنعت من طَاعَته واستعصت عَلَيْهِ وَلم تكن مسخرة لَهُ فَأعْطيت من التَّمْيِيز والادراك مَا تتمّ بِهِ مصلحتها ومصلحة من ذَلِك لَهُ وسلبت من الذِّهْن وَالْعقل مَا ميز بِهِ عَلَيْهَا الانسان وليظهر ايضا فَضِيلَة التَّمْيِيز والاختصاص ثمَّ تَأمل كَيفَ قادها وذللها على كبر اجسامها وَلم يكن يطيقها لَوْلَا تسخيره قَالَ الله تَعَالَى {وَجعل لكم من الْفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ لتستووا على ظُهُوره ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} أَي مطيقين ضابطين وَقَالَ تَعَالَى {أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما فهم لَهَا مالكون وذللناها لَهُم فَمِنْهَا ركوبهم وَمِنْهَا يَأْكُلُون} فترى الْبَعِير على عظم خلقته يَقُودهُ الصَّبِي الصَّغِير ذليلا منقادا وَلَو ارسل عَلَيْهِ لسواه بالارض ولفصله عضوا عضوا فسل الْمُعَطل من الَّذِي ذلله وسخره وقاده على قوته لبشر ضَعِيف من اضعف الْمَخْلُوقَات وَفرغ بذلك التسخير النَّوْع الانساني لمصَالح معاشه ومعاده فَإِنَّهُ لَو كَانَ يزاول من الاعمال والاحمال مَا يزاول الْحَيَوَان لشغل بذلك عَن كثير من الاعمال لانه كَانَ يحْتَاج مَكَان الْجمل الْوَاحِد الى عدَّة أناسى يحملون اثقاله وَحمله ويعجزون عَن ذَلِك وَكَانَ ذَلِك يستفرغ اوقاتهم ويصدهم عَن مصالحهم فأعينوا بِهَذِهِ الْحَيَوَانَات مَعَ مَالهم فِيهَا من الْمَنَافِع الَّتِي لَا يحصيها الا الله من الْغذَاء وَالشرَاب والدواء واللباس والامتعة والالات والاواني وَالرُّكُوب والحرث وَالْمَنَافِع الْكَثِيرَة وَالْجمال

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي خلق الات الْبَطْش فِي الْحَيَوَانَات من الانسان

وَغَيره فالانسان لما خلق مهيئا لمثل هَذِه الصناعات من الْبناء والخياطة وَالْكِتَابَة وَغَيرهَا خلق لَهُ كف

<<  <  ج: ص:  >  >>