للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انه جَمْرَة بن شهَاب وان دَاره بالحرقة وان مَسْكَنه مِنْهَا ذَات لظى قَالَ لَهُ اِدَّرَكَ بَيْتك فقد احْتَرَقَ فَكَانَ كَمَا قَالَ وشواهد هَذَا الْبَاب اكثر من ان نذْكر هاها هُنَا وَهَذَا بَاب لطيف المنزع شَدِيد الْمُنَاسبَة بَين الاسماء والمسببات وَكَثِيرًا مَا اولع النَّاس قَدِيما وحديثا بنعيق الْغُرَاب واستدلالهم بِهِ على الْبَين والاغتراب وينسبونه الى الشؤم وينفرون مِنْهُ وينفر مِنْهُم فَكَانَ جَدِيرًا ان يُرْسل هَذَا الطَّائِر الى الْقَاتِل من ابْني آدم دون غَيره من الطُّيُور فَكَأَنَّهُ صُورَة طَائِره الَّذِي ألزمهُ فِي عُنُقه وطارعنه من عمله وَلَا تظن ان ارسال الْغُرَاب وَقع اتِّفَاقًا خَالِيا من الْحِكْمَة فَإنَّك اذا خَفِي عَلَيْك وَجه الْحِكْمَة فَلَا تنكرهَا وَاعْلَم ان خفاءها من لطفها وشرفها وَللَّه تَعَالَى فِيمَا يخفى وَجه الْحِكْمَة فِيهِ على الْبشر الحكم الباهرة المتضمنة للغايات المحمودة

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الباهرة فِي وَجه الدَّابَّة كَيفَ هُوَ فانك ترى الْعَينَيْنِ

فِيهِ شاخصتين امامها لتبصر مَا بَين يَديهَا اتم من بصر غَيرهَا لانها تحرس نَفسهَا وراكبها فتتقى ان تصدم حَائِطا اَوْ تتردى فِي حُفْرَة فَجعلت عَيناهَا كعيني المنتصب الْقَامَة لانها طَلِيعَة وَجعل فوها مشقوقا فِي اسفل الخطم لتتمكن من العض وَالْقَبْض على الْعلف إِذْ لَو كَانَ فَوْقهَا فِي مقدم الخطم كَمَا انه من الانسان فِي مقدم الذقن لما استطاعت ان تتَنَاوَل بِهِ شَيْئا من الارض الا ترى الانسان لَا تنَاول الطَّعَام بِفِيهِ لَكِن بِيَدِهِ فلمالم تكن الدَّابَّة تتَنَاوَل طعامها بِيَدِهَا جعل خطمها مشقوقا من أَسْفَله لتضعه على الْعلف ثمَّ تقضمه واعينت بالجحفلة وَهِي لَهَا كالشفة للانسان لتلتقم بهَا مَا قرب مِنْهَا وَمَا بعد وَقد اشكلت مَنْفَعَة الذَّنب على بعض النَّاس وَلم يهتد اليها وَفِيه مَنَافِع عديدة فَمِنْهَا انه بِمَنْزِلَة الطَّبَق على الدبر والغطاء على حياها يواريهما ويسترهما وَمِنْهَا ان بَين الدبر ومراق الْبَطن من الدَّابَّة لَهُ وضر يجْتَمع عَلَيْهِ الذُّبَاب والبعوض فيؤذي الدَّابَّة فَجعل اذنابها كالمذاب لَهَا والمراوح تطرد بِهِ ذَلِك وَمِنْهَا ان الدَّابَّة نستريح الى تحريحكه وتصريفه يمنة ويسرة فَإِنَّهُ لما كَانَ قِيَامهَا على الاربع بِكُل جسمها وشغلت قدماها بِحمْل الْبدن عَن التَّصَرُّف والتقلب كَانَ لَهَا فِي تَحْرِيك الذَّنب رَاحَة وَعَسَى ان يكون فِيهَا حكم اخر تقصر عَنْهَا افهام الْخلق ويزدريها السَّابِع إِذا عرضت عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يعرف موقعها الا فِي وَقت الْحَاجة فَمن ذَلِك ان الدَّابَّة تربض فِي الوحل فَلَا يكون شَيْء اعون على رَفعهَا من الاخذ بذنبها

فصل ثمَّ تَأمل شفر الْفِيل وَمَا فِيهِ من الحكم الباهرة فَإِنَّهُ يقوم لَهُ

مقَام الْيَد فِي تنَاول الْعلف

<<  <  ج: ص:  >  >>