للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل وَمن عَجِيب الفطنة فِي الْحَيَوَان ان الثَّعْلَب إِذا اعوزه الطَّعَام وَلم

يجد صيدا تماوت وَنفخ بَطْنه حَتَّى يحسبه الطير مَيتا فَيَقَع عَلَيْهِ ليَأْكُل مِنْهُ فيثب عَلَيْهِ الثَّعْلَب فَيَأْخذهُ وَمن عَجِيب الفطنة فِي هَذِه الذبابة الْكَبِيرَة الَّتِي تسمى اسد الذُّبَاب فَإنَّك ترَاهُ حِين يحس بالذباب قد وَقع قَرِيبا مِنْهُ يسكن مَلِيًّا حَتَّى كَأَنَّهُ موَات لَا حراك فِيهِ فَإِذا رأى الذُّبَاب قد اطْمَأَن وغفل عَنهُ دب دبيبا رَفِيقًا حَتَّى يكون مِنْهُ بِحَيْثُ يَنَالهُ ثمَّ يثب عَلَيْهِ فَيَأْخذهُ وَمن عَجِيب حيل العنكبوت انه ينسج تِلْكَ الشبكة شركا للصَّيْد ثمَّ يكمن فِي جوفها فَإِذا نشب فِيهَا البرغش والذباب وثب عَلَيْهِ وامتص دَمه فَهَذَا يحْكى صيد الاشراك والشباك والاول يحْكى صيد الْكلاب والفهود وَلَا تزدرين الْعبْرَة بالشَّيْء الحقير من الذّرة والبعوض فَإِن الْمَعْنى النفيس يقتبس من الشَّيْء الحقير والازدراء بذلك مِيرَاث من الَّذين استنكرت عُقُولهمْ ضرب الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْمثل بالذباب وَالْعَنْكَبُوت وَالْكَلب وَالْحمار فَأنْزل الله تَعَالَى {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} فَمَا أغزر الحكم وأكثرها فِي هَذِه الْحَيَوَانَات الَّتِي تزدريها وتحتقرها وَكم من دلَالَة فِيهَا على الْخَالِق ولطفه وَرَحمته وحكمته فسل الْمُعَطل من الهمها هَذِه الْحِيَل والتلطف فِي اقتناص صيدها الَّذِي جعل قوتها وَمن جعل هَذِه الْحِيَل فِيهَا بدل مَا سلبها من الْقُوَّة وَالْقُدْرَة فأغناها مَا اعطاها من الْحِيلَة عَمَّا سلبها من الْقُوَّة وَالْقُدْرَة سوى اللَّطِيف الْخَبِير

فصل ثمَّ تَأمل جسم الطَّائِر وخلقته فَإِنَّهُ حِين قدر بَان يكون طائرا فِي

الجو خفف جِسْمه وادمج خلقته وَاقْتصر بِهِ من القوائم الاربع على اثْنَتَيْنِ وَمن الاصابع الْخمس على ارْبَعْ وَمن مخرج الْبَوْل والزبل على وَاحِد يجمعهما جَمِيعًا ثمَّ خلق ذَا جؤجؤ مَحْدُود ليسهل عَلَيْهِ اختراق الْهَوَاء كَيفَ توجه فِيهِ كَمَا يَجْعَل صدر السَّفِينَة بِهَذِهِ الْهَيْئَة ليشق المَاء بِسُرْعَة وتنفذ فِيهِ وَجعل فِي جناحيه وذنبه ريشات طوال متان لينهض بهَا للطيران وكسى جِسْمه كُله الريش ليتداخله الْهَوَاء فيحمله وَلما قدر ان يكون طَعَامه اللَّحْم وَالْحب يبلعه بلعا بِلَا مضغ نقص من خلقه الاسنان وَخلق لَهُ منقار صلب يتَنَاوَل بِهِ طَعَامه فَلَا يتفسخ من لقط الْحبّ وَلَا يتعقف من نهش اللَّحْم وَلما عدم الاسنان وَكَانَ يزدرد الْحبّ صَحِيحا وَاللَّحم غريضا اعين بِفضل حرارة فِي الْجوف تطحن الْحبّ وتطبخ اللَّحْم فاستغنى عَن المضغ وَالَّذِي يدلك على قُوَّة الْحَرَارَة الَّتِي اعين بهَا انك ترى عجم الزَّبِيب وَأَمْثَاله يخرج من بطن الانسان صَحِيحا وينطبخ فِي جَوف الطَّائِر حَتَّى لَا يرى لَهُ اثر ثمَّ اقْتَضَت الْحِكْمَة ان جعل يبيض بيضًا وَلَا يلد ولادَة لِئَلَّا يثقل عَن

<<  <  ج: ص:  >  >>